القصة ومافيهامقالات

النور عادل يكتب : الشرطة في خدمة من؟

لا زلت أذكر كم كانت الشرطة حازمة في فرض هيبة الدولة أيام المخلوع، يوم طوقت معية جهاز الأمن الغابر أحياء بانت وحي الضباط والعباسية والموردة من كل الاتجاهات واغرقتها بالبمبان حتى الواحدة صباحا. نعم كانت تعمل بضمير جلاد قح.
وقتها من كان ينجو من الاختناق أو الاعتقال فلن ينجو اقله من سوط أو شتيمة نابية!
لا تزال ذاكرة كل مواطن منكم الان تذكر عشرات الحوادث لمتهمين اما قضوا داخل أقسام الشرطة و المباحث المركزية بالسياط والخراطيش. واي مواطن يعلم يقينا أن في كل مؤسسة حكومية خدمية هناك مكتب خلفي أو (كرفان) لتأديب المواطن اذا جرأ ورفع عينه في شرطي!
اما جريمة الرشوة أو ما يعرف ب(مسح الشنب أو خارج نفسك أو الساهلة…) فهذه باتت لدى البعض أكثر من عادية بل ومبررة عند البعض غفر الله لهم.
خروقات الشرطة السودانية من لدن الإنقاذ والى اليوم؛ باتت هي السمة الدالة عليها كجهاز للقمع الرسمي! نعم يا سادة الاستثناء هو أن تجد شرطي ملتزما بالواجب ويتعامل بروح القانون. ونفرح حين نجد شرطي مهني وطني، ونتسابق لنأخذ معه اللقطات ونصوره خلسة فرحا اننا وجدنا شرطي قانوني ونزيه!
لو حاولنا في هذا المقال أن نسرد كم الوقائع التي تدين الشرطة تحديدا لن ننتهي وسنضطر حتما لمقال آخر، وغالبا سنكون كدبور وزن على خراب عشه ولكن معذرة إلى ربكم.
القصة وما فيها ليست مجرد نقد مجتر لجهاز الشرطة، القصة اننا بحق نريد أن نفهم ما قصة الشرطة السودانية التي لا تدع يوما يمر إلا واتت بجريرة ملئت الاسافير. ما القصة؟
أرجوكم لا تقولوا صدفة، فالصدفة اذا تكررت مرارا خرجت من مفهوم الصدفة إلى الروتين والعادة، ونحن الان امام روتين يومي لمخالفات يومية متكررة.
لم ننسى بعد واقعة هجوم بعض المتفلتين على مستشفى أم بدة التعليمي ورد فرد الحراسة المكلف للأطباء (دي المدنية الدايرنها) إلى حادثة وزيرة الشباب والرياضة، وهي سابقة لا نذكر لها مثيل في عهد الإنقاذ إذ كان أصغر مسؤول في قطاع طلاب المؤتمر الوطني البائد يظلل سيارته ويتجاوز الاشارة ويصحب معه البنات ذهابا وايابا ولا يفتح الله على أي ارتكاز بابن حلال يقول (مه).
لا نزال نذكر مقتل عوضية، ومقتل ابن نائبة برلمانية في شارع النيل، وحتى مقتل الشهيد الأستاذ أحمد الخير كيف خرجت الشرطة بناطقها الرسمي بكسلا لتلعب دور القواد الذي يدافع عن سيده.
الان هناك نغمة ومكنة، النغمة(دي المدنية الدايرنها) والمكنة هي التقاعس في أداء الواجب الشرطي في إجراءات مكافحة الجريمة بعد وقوعها، ومن الترف أن نتكلم عن الإجراءات الوقائية الآن.
يخرج النيقرز باسلحتهم البيضاء في شوارع الشهداء، بعد أن ينجزوا مهمتهم، تأتي الشرطة تقدل كعروس ليلة عرسها في قدمها الحناء، لتسأل بدلال عن باب الغرفة عفوا (المجرمين ديل مشوا وين).
يتم الاعتداء على المواطنين والأطباء والوزراء وعلى لجان المقاومة، يخرج اعلام الشرطة بيانا على استحياء واستخفاف ليقول(القانون ياخد مجراه).
اما أقسام وحراسات الشرطة، فباتت كفنادق بنجمتين، الخدمة ذاتية ولا توجد خدمة نزلاء، إذا أردت الحمام ادفع، وإذا أردت مقابلة محاميك ادفع، إذا أردت الهاتف داخل الحراسة ادفع، إذا أردت معاملة VIP ونومة هنية ادفع، حتى التحري والله كإجراء روتيني في بعض الاقسام تدفع ليتم لك في اسرع وقت وإلا تنتظر حين يأتك الدور! وهذا الكلام مما عم به البلاء فإذا ارادوا مساءلتي به فحبابهم، قيل: من خلا عادته قلة سعادته!

القصة وما فيها يا سادة باختصار ليست كما يقول ويبرر بعض المبرراتية بأن رواتب الشرطة ضعيفة، كلنا يعلم أنها كذلك، ورواتب الأطباء والمعلمين أيضا ضعيفة، ومتوسط الأجور عامة في السودان يستحق وصف (تافه). لكن على الأقل للشرطة مزايا وخدمات بدءا من التموين الذاتي الذي يوفر للشرطي مواد غذائية وأدوات كهربائية وخرفان العيد وسكر رمضان ….الخ وبالتقسيط، لهم مستشفى وصندوق زمالة ونادي واستثمارات يعرف خباياها الفوق! فمن للأطباء والمعلمين؟! من للمواطن العادي؟!
يغفل المبرراتية أن كثير من المنتمين للشرطة يرونها ملاذ من العطالة، وباب لتسهيل الأمور، فينضم لها أي فاقد تربوي وبعض من خريجي البكالوريوس ممن حاروا أين يذهبون ببكالريوس وسط ملايين البكالريوسات السابقة.

لابد من إصلاح جهاز الشرطة، لابد من إعادة النظر في شروط الالتحاق بها، نشدد على أهمية زيادة التدريب والتأهيل ودمج حقوق الإنسان والحقوق المدنية للمواطن قبل زيادة المرتبات، لن يجدي نفعا زيادة مرتبات لشخص يرى العمل غنيمة.

لابد من تنزيل شعار الشرطة في خدمة الشعب. وإلغاء تثبيت شعار الشرطة عذاب الشعب!
لابد من ردم الهوة بين القوات النظامية عامة وبين الشارع. ولو أن الشارع بعد مثخن منها، لكن لا يصح إلا الصحيح.

مهم جدا زيارة لجنة التفكيك لجهاز الشرطة، لا تزال هناك عناصر مصابة بفايروس كوزونا. عناصر تظن نفسها لا تزال فوق الجميع.
هذه المرة اكتفينا ببعض القصة وما فيها. ربما نعود لنكمل كل القصة.

حاجة اخيرة:
مدنية لا تعني ضد العسكر. تعني إدارة مدنية بحراسة عسكرية وطنية. وقعت؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى