في العمق

مصعب قسم الله يكتب : حميدتي .. الجنرال في متاهته ( 2 )

حتى يستقيم فهم مواقف ومصالح الجنرال حميدتي فلا بد لنا من إيضاح عدة عوامل ومواقف تضافرت جميعها وأفرزت واقع تأثير وسطوة الجنرال حميدتي في دولة وحكومة الإنقاذ ما قبل ثورة التغيير وأيضاً في دولة وحكومة المرحلة الإنتقالية ما بعد ثورة التغيير، وأقتبس من مقال الأستاذ محمد بدوي بتاريخ 14 أبريل 2019م بصحيفة التغيير الإلكترونية مايلي:

( * في العام 2014 تم تغيير مسمى قوات حرس الحدود إلى قوات الدعم السريع، ودخلت هذه القوات في معارك مع الحركة الشعبية/شمال تكبدت خلالها قوات الدعم السريع خسائر مهولة في الأرواح بما فيها نائب حميدتي وصهره واعداد كبيرة من الجرحى مما أدخله في مواجهات مع أهله والقبائل المتحالفة معه في تكوين قوات الدعم السريع وإتهموه بالمغامرة بأبنائهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

  • في العام 2017 في شهر مايو وفي مواجهة مع قوات حركة تحرير السودان جناح مني مناوي و المجلس الانتقالي تكبدت قوات الدعم السريع خسائر في الأرواح بلغت المئات بينهم إبن عم حميدتي ونائبه.
  • في شهر يوليو 2017 برزت فكرة جمع السلاح بإقليم دارفور. صدر مرسوم رئاسي بجمع السلاح وتم إلغائه قبل سريانه ليصدر بعده مباشرة مرسوم رئاسي آخر بالرقم 419، السبب في ذلك يعود إلى أن المنشور الأول لم ترد فيه الإشارة إلى الدعم السريع ضمن القوات المدمجة المنوط بها جمع السلاح مما يعني إنها كانت مستهدفة ايضاً بذلك، وفي ذات يوليو 2017 تم ربط صرف الراتب الشهري للدعم السريع بتحصيله من معكسر دوماية بولاية جنوب دارفور، وتصادف صدور ذلك القرار قبل أيام من عيد الفطر، وهو ما يشير بوضوح الي أن القصد كان إجلاء قوات الدعم السريع بعيداً عن العاصمة نتيجة للتوترات داخل النظام عقب ابعاد طه الحسين حليف حميدتي من القصر ومراكز صنع القرار.
  • في نفس الشهر يوليو 2017 صرح حميدتي بعدم مشاركة قواته في جمع سلاح حرس الحدود أو قوات موسى هلال محاولاً النأي بنفسه وقواته عن التورط في الصراع الي جانب نائب الرئيس السابق حسبو عبدالرحمن رغم كل محاولات النظام البائد لجره الي الدخول في الصراع مع موسى هلال، الي أن نجحت هذه المحاولات بعد اعلان النظام لمقتل إبن عم حميدتي العقيد عبدالرحيم على أيدي قوات موسى هلال بمنطقة مستريحة.
  • بعد أحداث مستريحة والقاء القبض على موسى هلال وسيطرة حميدتي على مورد الذهب بجبل عامر في 20 نوفمبر 2017 ظهرت عدة تحولات في علاقة الجنرال حميدتي بنظام الانقاذ قادت إلى تعزيز العامل الاقتصادي في العلاقة بينه والنظام السابق وهي ما ستحكم معظم مصالح إرتباطه بالسلطة آنذاك والانظمة السياسية اللاحقة، ذات العلاقة المادية هي التي دفعته للمشاركة بقواته في حرب اليمن وفتحت له أبواب التحالفات مع أنظمة ومخابرات إقليمية بعينها ما زالت تدعمه وتسانده حتى اليوم ) نهاية الإقتباس.

وعي الجنرال حميدتي بمصالحه وإستيعابه لفكرة أن النظام البائد قد سعى في عدة محاولات لكسر شوكته، وإستفادته من تجربة موسى هلال وقواته وما حل بعيشرته، إضافة لرغبته بالمحافظة على المكاسب الاقتصادية والعسكرية التي تحققت له في السنوات الأخيرة من عمر النظام البائد كل هذه الأسباب جعلته يصرح في ديسمبر 2018 بأن قواته لن تشارك في قمع المحتجين السلميين وشكلت البوصلة التي رفض على أساسها المشاركة في المجلس العسكري بعد إنقلاب القصر الذي قاده وزير دفاع النظام السابق عوض إبنعوف، فالجنرال حميدتي على ما يبدو قد وصلته التأكيدات الجازمة بإنتفاء جميع أسباب بقاء النظام أسوة بتأكيدات حلفائه الإقليميين بترتيب أوضاعه وضمان وجوده كمركز قوى مؤثر داخل التشكيل الجديد وفق تفاهمات تمت مع بعض القوى المدنية للتغيير.

في تلك الأثناء كان الجنرال حميدتي يقود التفاوض من جانب المجلس العسكري مع القوى المدنية بإسم تحالف قوى الحرية والتغيير، وهو وضع ما كان له أن يحدث أو يصمد لو كانت قوى الحرية والتغيير تمتلك من الرؤى ما يتيح لها التعامل مع الأوضاع القائمة عقب سقوط النظام السابق، ولكانت نأت بنفسها والبلاد من الدخول في آتون الإبتزازات من المجلس العسكري وحلفائه الإقليميين مما جعل التفاوض يتقدم ويتقهقر عدة مرات في نفس الوقت الذي كان فيه العسكريين ومن ضمنهم الجنرال حميدتي يتحكمون بمفاصل السلطة ويجهزون ملعب الدولة ومؤسسات الحكم وفق ما يخدم مصالحهم وسيطرتهم لاحقاً، وهو ما عجزت القوى المدنية في الحرية والتغيير ووفد تفاوضها الضعيف في إدراكه أو التعامل معه مما تتسبب في إنتاج الواقع المشوه وهشاشة مؤسسات الدولة التي تستند عليها حكومتنا الإنتقالية اليوم.

ولما كان الإعتصام السلمي مستمراً ويشكل أداة ضغط رئيسية وناجعة على جنرالات السلطة القدامى الجدد كان من الطبيعي أن تجري المحاولات على قدمٍ وساق لفض الإعتصام فرأينا جميعا أحداث 8 رمضان وما تبعها من تداعيات الإدعاءات حول منطقة كولمبيا ثم نجاح العسكريين في جر مفاوضي الحرية والتغيير لتحديد وتقليص مساحة ومنطقة الإعتصام مما كان يشير وبوضوح لإنتهاج المجلس العسكري الإنتقالي آنذاك لإستراتيجية أمنية تهدف لتحجيم وإضعاف قوة وتأثير الإعتصام تمهيداً لفضه وإلغاء دوره الرائد في التأثير على مجمل الواقع السياسي ما بعد سقوط النظام، وهو ما عجزت قوى الحرية والتغيير عن قراءته وما فشل في إدراكه مفاوضوها وقاد بشكل مباشر ليس إلي إضعاف التأثير المدني على التغيير وحسب بل وزيادة سطوة العسكريين في هياكل ومهام الحكم الإنتقالي أيضا لاحقاً عقب توقيع الوثيقة الدستورية المعيبة شكلاً ومضموناً بما في ذلك زيادة سطوة وتأثير الجنرال حميدتي محور مقالنا نفسه.

في رأيي فإن الجنرال حميدتي هو أكثر العسكريين بهياكل الحكم الإنتقالي الحالي وعياُ بمصالحه من التغيير، وهو على ما يبدو أكثر العسكريين أيضاً توافقاً مع الحكومة الإنتقالية المدنية برئاسة د. عبدالله حمدوك ودعماً لها مما يضعه في عدة مواجهات مباشرة مع بقايا النظام السابق ومع قيادة القوات المسلحة الحالية وأيضاً مع بعض أطراف قوى الحرية والتغيير على حدٍ سواء.
فما الذي يملكه الجنرال حميدتي من أوراق تمكنه من إجادة اللعب في هذه المتاهة المعقدة، وما هي فرص خروجه بأقل الخسائر من الجرائم والإنتهاكات التي تواجهه وقواته فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة بإقليم دارفور أو تلك المرتبطة بمجزرة فض إعتصام القيادة العامة؟!!!
هذا ما سيتناوله المقال القادم

يتبع

زر الذهاب إلى الأعلى