خارج الصندوق

عبد الباسط سر الختم يكتب : ومن يحمي المرضى من الأطباء؟

قبل عامين كانت جدتي عليها رحمة الله تدخل عملية لازالة أورام في منطقة الفم بعد عمليات تشخيص وجملة من الفحوصات والصور المقطعية
بعد انتهاء العملية التي استمرت لعدة ساعات وعند أول مقابله تقرر لها إجراء جلسات إشعاع وقائية استمرت لستة أشهر
وبعد كل هذه المدة لم تتحسن جدتي مما دعانا لمقابلة طبيب متخصص أخر ليفاجئنا بأن العملية لم تستأصل الورم كاملاً ولعامل السن لايمكن إجراء عملية أخرى وخرجنا مستعوضين الله ومتوكلين عليه فهو الذي يشفين

هذه القصة ليست الأولى ولا الأخيرة فلا يمكن أن تخرج أسرة سودانية الا ولها نفس التجربة خصوصاً في مستشفيات القطاع الحكومي حتى أصبح هذا القطاع طارد ولا يذهب إليه إلا من أضطر في مخمصة ولم يسعفه وضعه الاقتصادى في مقابلة المستشفيات الخاصة التي لاتدخل المريض قبل أن تدفع قيمة العملية ومبلغ مقدم (تحت الحساب)
وخلاصة الوضع الصحي الذي انتجه النظام البائد هو نظام تجاري ربحي خالي من أي نوازع وتوجهات إنسانيه تجده في المستشفيات الخاصة التي ترفض إستلام المريض قبل دفع مبالغ مقدمة ونظام صحي حكومي متهالك وبكفائة متدنية وعناية صحية تكاد تكون منعدمه

وفي ظل هذه التداعيات المدلهمة تتكرر حوادث الإعتداء على الكوادر الطبية وكان أخرها ماحدث بمستشفى أمدرمان وعلى إثره تداعي الأطباء للإضراب عن العمل وتقاذفت الوسائط بمزايدات النخب ومتاجرات الساسة فمنهم من قدس الطبيب ومنهم من جرده من إنسانيته كعادة السودانيين/ات في تناول قضايا الشأن العام وتشنجاتهم بمغالاة وفجور

على إثر ذلك خرجت علينا الحكومة الإنتقالية بقانون حماية الكوادر الصحية الذي هو بمثابة حصانة للعاملين بالقطاع الصحي بدون مراعاة لابسط حقوق المرضى وكأنهم مجموع من الغرباء الذين لاتمثلهم هذه الحكومة
فكل حوادث الاعتداء على الكوادر الصحية هي نتاج لخلل إداري او خلل طبي يتوجب على وزارة الصحة دراسة المشكلة بشكل أعمق ومعالجة مسببات المشكلة قبل إصدار القوانين الرادعة

لابد من معالجة العملية الإدارية داخل المستشفيات وعدم إختزال إدارة المستشفيات للعملية الفنية البحته (الطبيب والكادر الصحي) وبناء نظام إداري به وحدات للجودة والتقييم وإدارة المواد البشرية بشكل حديث
فلم يعد العالم يختصر العملية الإدارية داخل المستشفيات (كما هو لدينا) في تحصيل الرسوم وتحرير إيصالات الدفع
كما أن نظام صندوق الشكاوي الموضوع في ركن قصي بالمؤسسات والذي لايقرأه أصلاً مديرو المؤسسات

لتحل مشكلة التجاوزات في قطاعات الصحة لابد من بناء نظام لقياس رضي العملاء وتقييم أداء الموظفين وبناء نظام إداري منفصل عن النظام الفني وعملية سن قوانين ردع في غياب وصعوبة توصيل الشكاوي وتسهيل فرص التقاضي من رداءة الخدمة يصبح العنف هو صوت التعبير الأوحد
كما لايمكن للدولة أن تتقاضي عن مسببات المشكلة وتعالج أثارها فقط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى