السودان اليوممجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب :مليونية 30 يونيو …لا بديل سوى استكمال مهام التغيير

 

في ال30 من يونيو 2019م خرجت مئات الآلاف من السودانيات والسودانيين في شوارع العاصمة الخرطوم ومختلف مدن البلاد تلبية لدعوة قوى الحرية والتغيير بممارسة الضغوط على المجلس العسكري الانتقالي آنذاك لتسليم السلطة لحكومة مدنية. وكان موكب 30 يونيو هو الأكبر والأكثر تأثيراً على معادلة الواقع السياسي السوداني عقب جريمة فض إعتصام القيادة العامة وهو ما يشير اليه المراقبين كالحدث الأبرز والمفصلي في تغيير سياسة المحاور الإقليمية تجاه السودان وممارستها للضغوط أسوة بضغوط الشارع السوداني مما قاد إلي توافق المكونين المدني والعسكري وتوقيع الوثيقة الدستورية التي شكَلت فيما بعد أساس الحكم التنفيذي المدني وإقتسام السلطة السيادية بين العسكر والمدنيين.

منذ توقيع الوثيقة الدستورية وحتى اليوم مرت بالبلاد أحداث جسام تنامت فيها حالة المد والجزر السياسي وإحتدمت الصراعات حول إقتسام السلطة وحدود الصلاحيات تارة بين المكونين المدني والعسكر، وتارات أخرى داخل المكون المدني وبين قواه السياسة نفسها مما أنتج حالة من الإرتباك في المشهد وإنتقص من قدرة الحكومة الإنتقالية على صنع وتنفيذ الحلول اللازمة لإنتشال البلاد من وهدتها السياسية والإدارية والإقتصادية.

العديد من الأحداث والمواقف التي مرت منذ تاريخ 30 يونيو 2019 ولمدة عام كامل جعلت القوى الشبابية وهي الأكثر تأثيراً في مسيرة التغيير الوطني تستجمع شتات أنفاسها وتشرع في تنسيق المواقف والرؤى بينها لتتبنى تمثيل مصالح الشعب السوداني وممارسة الضغوط على مختلف الأطراف لإستكمال وترسيخ مسار التغيير.

الجديد هذه المرة أن موازنات القوى ومعادلات الفعل على أرض الواقع قد تغيرت كلياً بخروج تجمع المهنيين السودانيين شبه الكامل من معادلة التأثير بعد أن تم تفريغه من محتواه بفعل الصراعات السياسية داخله وحوله وإستلمت لجان المقاومة المبادرة بعد أن ظلت عصية طيلة الفترة السابقة على الإستقطاب والتجيير الحزبي.

وإذا كانت مليونية 30 يونيو 2019 هي تلبية لدعوات قوى الحرية والتغيير من أجل الضغط على العسكر فان الواقع الآن يشير بوضوح أن مليونية 30 يونيو 2020 هي لممارسة الضغط على كافة مكونات وأطراف الحكم الإنتقالي العسكرية والمدنية، كما إنها للضغط على قوى الحرية والتغيير نفسها التي حادت عن طريق التغيير وإنحرفت لصراعات ومحاصصات سياسية حول السلطة ولم يحدث أي تحسن نوعي في معايش الناس أو خدماتهم أو حتى في الخطاب والممارسة السياسية.

إن وجود مجموعات الضغط السياسي مثل لجان المقاومة واللجان المطلبية والأجسام النقابية والمهنية يمثل رأس الرمح في ترسيخ التغيير والرقابة عليه والتأكيد على تمثيل مصالح المواطنين في ظل الإنتقال والتحول المدني والديمقراطي بالبلاد، ومن الضرورة بمكان دعم كل مواقف وجهود مجموعات الضغط السياسي وتلبية دعوة لجان المقاومة ومطالبها لإكمال وتصحيح مسار التغيير وإعادة الأمور لنصابها الصحيح، وهو واجب جماهيري ووطني مقدس رغم كل المحاذير الأمنية والصحية.

وفي هذا الإطار علينا التأكيد على لجان مقاومتنا الباسلة بأن كلمة السر ومفتاح النجاح في تحقيق وإنجاز أهداف اللجان وفعل الضغط هو أن تبتعد عن التجيير الحزبي وان لا تسمح بإختطافها وتشويه رؤاها ومواقفها، فالتحدي الآن أكبر من مجرد المصالح الآنية للأفراد والمجموعات، التحدي الحقيقي الماثل هو مستقبل وطن وشعب يجب أن يستقر ويتحقق فيه سلام دائم وعادل، وإصلاح قانوني وإداري، وإعادة تاسيس وبناء مؤسسات وهياكل الدولة فضلاً عن إنتشاله من الإنهيار الإقتصادي وتحسين حياة الناس وخدماتهم. التحدي أمامنا كشعب بلجان مقاومتنا هو أن يكون الوطن أو لا يكون، ومهما تحدث من تداعيات في مليونية 30 يونيو فهي ستؤثر إيجاباً أو سلباً على مستقبل شعبنا ووطننا، عليه فان المسؤولية الجسيمة والتحدي الصعب هو إستثمار الإيجابيات وتلافي السلبيات لتحقيق الأهداف، كما إن نجاح مليونية 30 يونيو ليست هي خاتمة المطاف بل في الحقيقة هي ضربة البداية ويجب علينا جميعاً الإنتباه لضرورة إستمرار الرقابة على تحقيق المطالب وإستمرار الضغوط للحفاظ عليها وتوسيع مظلتها مستقبلاً وبشكل تدريجي.

إن إحدى أهم تداعيات مليونية 30 يونيو هي أن الدعوة وصياغة المطالب وإستخدام أسلوب الضغط السياسي على هياكل الحكم الانتقالي سيكون لها ما بعدها فيما يتعلق بالممارسة السياسية ككل، فلجان المقاومة الآن تضرب أفضل الأمثلة على الفرق بين التفكير والممارسة التي إتسم بها تاريخنا السياسي إبان المعارضة وبين التفكير والممارسة التي يجب أن يكون عليها الحال تجاه الحكومة الإنتقالية التي تمثل مشروعنا جميعاً للتغيير، وهو درسٌ مجاني لبقية الفاعلين في المشهد ليعوا ماهية أدوارهم ومهامهم ويكتشفوا الطرق والأساليب المناسبة للقيام بها دون الإخلال بإستقرار وتماسك الفترة الإنتقالية وتحقيق أهدافها المأمولة نحو التحول الديمقراطي.
30 يونيو سيكون له ما بعده في موازين القوى ومعادلات الواقع السياسي بما يتعدى تأثيره في العام المنصرم بكثير وأهم هذه التداعيات ليست تحقيق المطالب فقط بل أيضاً الوعي النوعي بدور الشارع وسلطة الشعب وقواه الحية ومجموعات ضغطه السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى