مجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب : التنظيمات الشبابية والمهنية في مواجهة عبث الساسة ( 1 )

إستقلالية جماعات الضغط شرط ملزم لبناء الدولة المدنية

 

كنت أظن أنه من البديهيات المعروفة إختلاف الممارسة والسلوك للقوى والمكونات السياسية السودانية فيما بعد سقوط النظام البائد عن تلك التي كانت سائدة قبل ذلك، فإستحقاقات العمل المعارض والمقاوم للنظام البائد كانت تحتم على الجميع التوافق على حد أدنى من أجل إسقاط النظام، كما إن نفس الإستحقاقات حتمت وحدة وتنسيق كل قوى التغيير بمختلف مسمياتها ومهامها السياسية والنقابية المهنية والمجتمع المدني بل وحتى لجان الاهالي والقضايا المطلبية من أجل التغيير.

في الأوضاع الطبيعية فإن مبدأ إستقلالية المنابر النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني يظل راسخا وشرطا ملزما لبناء الدولة المدنية، فوجود هذه المنابر والمنظمات بمختلف أدوارها ومهامها وبما تمثله من مصالح لمختلف الفئات والقضايا حال إستقلاليتها وعدم تجييرها حزبيا أو تحالفيا هو شرط ملزم لقيامها بمهامها في الضغط السياسي على مختلف مؤسسات الدولة لتبني ما يلزم من سياسات عامة وإجراءات تحقق مصالح الفئات التي تمثلها أو القضايا التي تتبناها، كما أنها أيضا حال إستقلاليتها تمارس دورها في الضغط على مختلف القوى السياسية للقيام بدورها في إيجاد الرؤى والحلول العملية لمختلف القضايا في إطار التنافس الديمقراطي لكسب دعم وتعاطف الفئات العمالية والمهنية من ناحية والمجتمع المدني من ناحية أخرى وكل هذه العملية تصب في جوهر التغيير والإصلاح السياسي والإداري لأي نظام حكم ديمقراطي وتشاركي.

في الحالة السودانية إبان حكم النظام البائد فإن المرسوم الثاني لمجلس قيادة إنقلاب الإنقاذ قد قضى بحل وحظر كافة الأحزاب والنقابات والمنظمات المدنية وجمد نشاطها ثم تمت ملاحقتها وقياداتها أمنيا لسنوات عدة، والهدف من كل ذلك واضح وهو تهيئة المناخ للتمكين وبناء دولة الحزب الواحد، ثم كانت الخطوة الثانية في التمكين الحزبي والسيطرة على كل مفاصل الدولة والخدمة المدنية والمجتمع المدني والنقابات بعملية تغيير قانوني وإداري شامل تم فيها إعداد وإجازة تشريعات وقوانين لكل ما يتعلق بالحياة الإنسانية بالبلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وغيرها ليتم تقنين التمكين والفساد الانقاذي بقوانين ولوائح إجرائية منظمة، ولم تكن عملية إحالة كل من هو خارج التنظيم الإسلامي للصالح العام وأحلال أصحاب الولاء والطاعة للتنظيم في كل مفاصل الدولة إلا ضربة البداية التي بدأت مع بدايات عهد الحكم الانقاذي السابق وإستمرت حتى أواخر التسعينات وبدايات الألفية الثانية، لذلك كان وما زال رأيي أن عملية إزالة التمكين ومحاسبة رموز ومنسوبي النظام البائد لن تكون ذات جدوى أو أثر فعال على مستقبل البناء للدولة السودانية ما لم تتم عملية إصلاح وتغيير قانوني وإداري حقيقية وجذرية.

بالعودة الي موضوع المقال فإن هذه الإجراءات والتمكين القانوني والإداري والبشري الذي قام به النظام البائد لم يكن يستهدف في أهدافه الرئيسية مجرد تسكين كوادره ومنسوبيه في مختلف المواقع بمختلف مجالات الفاعلية الإنسانية، بل كانت أهدافه الرئيسية هي إيقاف عملية التطور والنمو الطبيعي للتجربة السياسية والإدارية السودانية وقلبها رأسا على عقب لتصب في منحى محدد هو إستمرار السيطرة والسلطة للنظام البائد بشكل مطلق، وبالتالي زيادة فرصه وقدراته على المناورة والإستمرار في الحكم من ناحية، والتأسيس للعودة للحكم حال سقوطه من ناحية أخرى. وفي هذا الصدد فإن أحد أهم الأسلحة التي يعتمد عليها النظام البائد كانت هي عملية التفريغ المتعمد للمنابر النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني من محتواها والحرص على عدم قيامها بدورها الأساسي المنوط بها في تمثيل المصالح والقضايا، لذلك كان النظام السابق وما زالت أذرعه حريصة كل الحرص على حصر الصراع السياسي في مخيلة الشعب في الصراع حول السلطة وكراسي الحكم بين الأحزاب والتحالُفات السياسية وتقليل عملية المشاركة السياسية ونسبة الرأي العام الفعال لأدنى درجة ممكنة.

إن نشوء وظهور التنظيمات النقابية والمهنية وإئتلافها في تجمع المهنيين السودانيين، وظهور ونشوء لجان المقاومة بالأحياء وتمثيلها لمصالح سكان الأحياء ومساهمتهما الفعالة في ثورة ديسمبر المجيدة كانت هي كلمة السر ومفتاح الانتصار بتحقيق اكبر قدر من الإجماع والإلتفاف الشعبي حول مشروع التغيير واسقاط النظام البائد.

من شأن دراسة نموذج تجمع المهنيين السودانيين والصراعات السياسية داخله وتجييره السياسي لخدمة أجندة وأهداف بعض القوى السياسية سواء إبان عهد السكرتارية السابقة او السكرتارية الجديدة، وما وصل إليه حال التجمع من إنعدام الفاعلية وفقدانه للقدرة على التأثير في الراهن الوطني من ناحية، ودراسة نموذج لجان المقاومة ولا مركزية القيادة فيها وعدم تمكن القوى السياسية أو مراكز القوى العسكرية من تجييرها او استخدامها لتحقيق مصالحهم وأهدافهم حتى الآن ومن ثم مدى تنامي قوة اللجان وتأثيرها في الضغط السياسي على مختلف المكونات بالحكم الانتقالي او قوى الحرية والتغيير من ناحية أخرى، – دراسة هذين النموذجين – وإستخلاص الدروس والعبر منهما كفيل برسم خارطة طريق واضحة للعمل على إستقلالية المنابر النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني السودانية، والحرص على عدم تجييرها حزبيا أو تحالفيا لخدمة أي أغراض واجندة سوى القيام بدورها في تنظيم وتمثيل مصالح الفئات والقضايا التي تتبناها إضافة للقضايا والقيم الوطنية العليا التي يلتقي فيها الجميع من قضايا حريات وسيادة حكم القانون ودولة المواطنة وغيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى