مقالات

الطيب عبد السلام يكتب : القربان البشري ” الفارماكوس” بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية

ظاهرة الفارماكوس ” القربان البشري” أولها رينيه جيرار تأويلا سيسيلوجيا إجتماعيا عبر كتابه الماتع ” العنف و المقدس” ثم في كتابه
” خروف الأضحية” و قد توصل فيها إلى فكرة أن المضحى به هو شخص يحمل عن الناس رغبتهم في توجيه العنف ضد بعضهم فبدلا عن توجيهه إلى بعضهم يحضرون “دمية او شخصا او حيوانا” يصدرون إليه العنف ليلبوا غريزة العنف الغريزية فيهم، و بهذا المعنى حاول تبرير ” صلب المسيح” بوصفه المتنفس الجماعي لغريزة العنف فيلتقي بالتالي مع المخيال الجماعي عن المسيح كما جاء على لسانه ” انه يحمل عن الناس خطاياهم”، و يصح بعين رينيه جيرار ان نتأمل اي ظواهر قربانيه قد تبدو و كأنها متمدنه بينما هي في جوهرها بنت مطاردات الجواميس البرية و الوحوش الجائعه، و الاعداء البرابرة.
بنت طبيعة الإنسان الاولى التي جاء منها، ظواهر ككرة القدم على سبيل المثال كونها تمثل ” حفلا قربانيا جماعيا ” يرفع فيه “المدرب” و حوله -حوارييه الأحدي عشر- على
صليب التنافس و الإنتقام و إعادة تشغيل حركة دائرة العنف عبر الهزيمة و الإنتصار، ” رد الكرامة و الثأر”.
يصح الأمر على الرياضة بكاملها، بل و أمدده شخصيا إلى الحياة الإدارية و المحاكم، حيث يحضر الحشود لرؤية ” المحاكمة” ضد ” الفارماكوس” الذي يجسد لوهلة امامهم ” الرمز النهائي للشر” الذي سيبرأون منه و يغادرهم للأبد..فيطهرهم ” لبعض الوقت”.
كما أن جيرار لم يفوت التدليل على نظريته تلك بتقديمه لممارسات لمجتمعات متأخره حضاريا كقبائل الدينكا في الجنوب و معاصرة زمانيا، قاصدا تلك الممارسة التي يحضر فيها الشخص المسبي او المذنب حيث يتم تنعيمه و تكريمه و تسمينه حيث سيقتل بعدها في إحتفال جماعي.
هذه هي وجهة نظر رينيه جيرار و هي وجهة نظر “أقدرها كثيرا” و إن كانت قاصرة لإن جوهرها إستشراقي وصفي يسقط العديد من الجوانب التي وضحها و بجلاء فراس السواح.. السواح الذي ربط بين الدورة الزراعية و الفارماكوس.
مفهوم الفارماكوس “القربان البشري” ليس مفهوما مغلقا او ” اكاديميا” ليوضع بين قوسين و يتم تشريحه ” سيسيلوجيا بنيويا” كما فعل جيرار، و لا حتى ظاهرة مادية كما شرحها السواح ” إقتصاديا” ، بل أنها ظاهرة شديدة الإمتداد و المراوغة و لديها ” اياديها الخفية” و إمتداداتها التي تتجاوز تلك النظرات المذعوره للقربان البشري، و من هنا بإمكاننا إستخدام مفهوم الفارماكوس النقدي كمضاد للفارماكوس التشريحي البحثي لنستطيع أن نكون أكثر وفاء ” لما يجري هناك”.
اي فتح صورة الفارماكوس لتصل حتى إلى قربان إسمه اللفظ و دائم ملح التجدد إسمه المعنى.
غير ان فتح مفهوم الفارماكوس لا يعني إلغاء بقية المفاهيم التي ساقها جيرار و السواح بقدر ما هو فتح يجعل مفهوم الفارماكوس مرنا مواكبا لمختلف سرعات المفهوم و بالتالي الكتل المختلفه للمفهوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى