مجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب : الإسراع بتعيين المجلس التشريعي هو أحد أهم أسس الحل في المرحلة الانتقالية

يقول الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” إنه لابد لكل إنسان يتمتع بسلطة من أن يميل إلى الإساءة في إستعمالها، وهو يظل متجهاً نحو الإساءة إلى أن يجد حدوداً أمامه “. وكانت نظرية مونتسكيو هي الأساس في مبدأ الفصل بين السلطات.

إن وجود ثلاث سلطات في الدولة الدستورية المعاصرة أمر لا يمكن تصور دولة تقوم بدونه، والسلطة التشريعية إحدى هذه السلطات، وركن أساسي من أركان الدولة، وهي تمارس وظائف تشريعية ومالية وسياسية، حيث تعتبر عملية التشريع من المهام والوظائف الأساسية التي تقوم بها السلطة التشريعية لتنظم الحياة العامة في المجتمع في كافة المجالات كما إنها تعتبر المحور لتحريك وتفعيل العلاقات الدستورية بصورة متناسقة ومتكاملة الأداء. وتمارس السلطة التشريعية الوظيفة المالية من خلال نقاش وإجازة الميزانية، وتاريخياً فإن الوظيفة المالية للسلطة التشريعية سبقت الوظيفة التشريعية في بداية تكوين البرلمانات حيث كانت موافقة البرلمان ضرورية لفرض الضرائب. وفي الوظيفة السياسية تتجلى سيادة القانون الذي يعد ضمانة هامة من ضمانات خضوع الدولة للقانون بمعنى خضوع السلطة التنفيذية في ممارستها لوظائفها للسلطة التشريعية، بحيث لا تقدم على تصرف من التصرفات إلا تنفيذاً للقانون أو بمقتضى قانون شرعته وأجازته السلطة التشريعية، وتقوم بمراقبة أعمال الحكومة وإرشادها وإسقاطها عند اللزوم. كما تتجلى أهمية السلطة التشريعية بدورها في التوازن بين السلطات في النظام البرلماني، وعدم تجميع السلطات بيد هيئة واحدة أو فرد واحد في النظام الرئاسي، لأنه إذا كانت السلطتان التشريعية والتنفيذية في يد شخص واحد أو هيئة واحدة لضاعت الحرية، إذ يخشى أن يضع ذلك الشخص أو تلك الهيئة تشريعات جائرة لتنفذ بوسيلة ظالمة وفق ما ذكر مونتسكيو.

إن السلطة كمفهوم وممارسة تبدأ من لحظة تشكلها، وتشعر بالإمتنان لمن إختارها لتمارس صلاحياتها، فإن جاء إختيارها نتيجة إنتخابات حقيقية فهي ستعبر عن إرادة الشعب الذي إنتخبها، وإن كان غير ذلك فهي ستعبر عن إرادة من عينها. وإن من أكثر النصوص التي تتأثر بالواقع هي النصوص الإنتخابية، فوجود نصوص دستورية أو قانونية لا يكفي لوجود نظام ديموقراطي، بل لابد من تفاعل هذه النصوص مع واقع مجتمعي مشبع بالديموقراطية حتى تعطي هذه النصوص النتائج المتوخاة منها. ويجب أن يترافق مع النصوص الإنتخابية تفعيل لدور الأحزاب والحرية السياسية والإرتقاء بالوعي الديموقراطي للمواطن وحيادية الأعلام الرسمي وحيادية الدولة في الإنتخابات. إذاً الانتخابات ليست النصوص فقط بل هي تفاعل هذه النصوص مع الواقع السياسي ليعطينا الرؤية واضحة عن حقيقة النص.

إن غياب السلطة التشريعية في الفترة الإنتقالية حتى الآن هو إحدي العقبات في طريق الوصول للحلول للمشكل الوطني، لأن غياب النصوص التشريعية في المرحلة الانتقالية سيؤدي الى أحد الاحتمالات التالية:
أولاً: غياب البرلمان الذي يملك سلطة التشريع والمراقبة، وبالتالي توقف مسار التغيير والإصلاح القانوني والإداري بالمرحلة الانتقالية.
ثانياً: الدعوة إلى إنتخابات برلمانية مبكرة، وهذا الأمر في المرحلة الانتقالية هو إستحالة واقعية وذلك بسبب إن الظروف لو كانت تسمح بالإنتخاب لإنتخبنا أعضاء جمعية تأسيسية أصلية تضع لنا دستور دائم يريحنا من كل الجدل والصراعات السياسية الماثلة.
ثالثاً: تنفيذ النص بالوثيقة الدستورية كما هو والاسراع بتعيين أعضاء البرلمان.
هذا الإحتمال به خلل بالقواعد والمبادئ الدستورية العامة، حيث إن البرلمان يمتلك سلطة التشريع لأنه ممثل عن الشعب ومنتخب منه، ولأن التشريع هو ملك الشعب والبرلمان يمثل السيادة الشعبية.
اما إذا كان البرلمان قد تم تعينه، أي انه ليس منتخب وبالتالي لا يمثل الشعب ولا السيادة الشعبية إلا إن هذا التعيين ناتج عن ضرورة واقعية فيجب تقليص وتحديد وضبط سلطات البرلمان بما يتناسب مع آلية تعيينه.

وإذا كانت السلطة التشريعية في الظروف الطبيعية تستمد سلطتها في التشريع من آلية إختيارها من الشعب، فهي تعبر عن الإرادة الشعبية، وهي ممثلة ونائبة عن الشعب الذي انتخبها. أما في المرحلة الانتقالية فإن جميع السلطات ومنها السلطة التشريعية تستمد سلطتها من حالة الضرورة، ولإن الضرورة تقدر بقدرها فيجب أن يحصل المجلس التشريعي على صلاحيات تشريعية محدودة وليست مطلقة.
إن المرحلة الانتقالية تتطلب مجموعة من القوانين الضرورية ليتم تجاوز الماضي بكل ويلاته، منها قوانين الانتخاب (للجمعية التأسيسية-البرلمان-الرئيس) والقوانين المتعارضة مع حقوق الإنسان، وغير هذه القوانين اللازمة والضرورية لعبور المرحلة الانتقالية لذلك لا بد أن يمنح المجلس التشريعي سلطات تشريعية محددة سلفاً إضافة الى الرقابة الكاملة على السلطة التنفيذية الإنتقالية، بحيث يتم تعداد القوانين التي يحق له إصدارها كما يحق له تعديل وإلغاء أي قانون يتعارض مع حقوق الإنسان والحريات العامة.

إذاً المجلس التشريعي ضرورة واقعية في المرحلة الانتقالية، وأهميته تستوجب أن تكون المعارضة للحكم الإنتقالي جزءاً من تكوينه لأن غيابها هو غياب للحل السياسي وإستمرار للصراع، ولأن القرار والتشريع الذي يتجاهلها يتجاهل أسباب الصراع ومقومات إستمراره. كما أن الضرورة الواقعية لوجود المجلس التشريعي تستوجب أيضاً أن يتم تعديل النسب المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية لضمان الفصل بين السلطات بشكل عملي حيث لا يعقل أن تكون الحاضنة السياسة قوى الحرية والتغيير هي التي تعين السلطة التنفيذية وتستحوذ على نسبة الثلثين من مقاعد المجلس التشريعي، إن التمثيل المتساوئ والعادل لكافة المكونات السياسية والإجتماعية والثقافية السودانية شرط ملزم لتحقيق التوازن المطلوب لقيام السلطة التشريعية بمهامها وأدوارها بما يحقق إستقرار سياسي وقانوني حقيقي بالفترة الانتقالية ويمثل أغلب إن لم يكن كل السودانيين بمختلف آرائهم ومواقفهم ومصالحهم ما عدا منسوبي النظام البائد الذي تم إقصائه بأمر الشعب وإرادته في ثورة ديسمبر المجيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى