مقالات

الجميل الفاضل يكتب : ضيفاً على نفسي أحل

كلما ازداد واقعنا المُعقد تعقيداً على تعقيده.. تسألني نفسي.. ترانا هل نحتاج إلى سُودان جديد؟ أم تراه وطننا من يحتاج إلى شعب جديد..؟
أُحار قليلاً ثم أجيب.. إن السودان بلدٌ متقلِّب الأطوار بطبعه، وإن شعبه صعب المراس مذ كان على ظهر هذا الكوكب.
فالسودان على علاته الراهنة وطنٌ حمّالُ أوجهٍ كثيرة، يُجيدُ لعبة الاختباءِ وراءَ ظلال الأسماءِ، وجوقةِ تداخُلِ الأصداءِ.
فقد استطاع هذا البلد على مَر الدهور أن يقبعَ آمناً بين سُطُور الكتب المُقدّسة القديمة، تارة يحمل وجه “كوش” القديم في التوراة، وكذا في الإنجيل، وتارة يخرج للناس بأقنعة “الحبشة” يُراقِصُ الحِراب في حضرة نبي يتبسّم، وتارة أخرى ينطوي تحت إشارة “المغرب” البليغة، قبل أن يعود مطرقاً إلى مجمع البحرين، أو يمضي حُقباً ليزوي الأرض من أطرافها القصيّة.
قلت “بيني وبيني” والجروح قصاص.. إنّ نصر الدين عبد البارئ وزير العدل لم يأتِ شيئاً فريا.. في بلد هو وصحيح الإسلام وجهان لعملة واحدة.. أرضه أول أرض يحكمها حاكم مسلم في الإسلام، فالسُّودان حاكمه آنذاك “النجاشي” أول حاكم صار إلى الإسلام وهو على سدة الحكم، كان ذلك قبل قيام دولة المدينة، ودولة الخلافة، وقبل كل الفتوحات التي تأسّست عليها دولٌ من بعد.
وبالطبع هذا السُّودان الذي عرّفه البروفيسوران الراحلان حسن الفاتح قريب الله، وعبد الله الطيب.. يُعدُ أول بقاع الأرض التي دخلها الإسلام من باب الهجرة لا الفتح، ليأتي انتشار هذا الدين تبعاً لذلك بطلاقة الطوع، وسلاسة اللا قسر، ويسر الوجه، ولين الجانب.
وقد قَطَع سيد الخلق في معرض الثناء على أهل هذه الديار بأنّ ثلة النبي الأمي لن يستكملها سوى أهل السودان من رعاة الأبل، فضلاً عن وصفه لأرضه على اختلاف المسميات والأقنعة.. بأنها “أرض صدق”، مع إعلان من لا ينطق عن هوى: بأن سادة السودان في الجنات أربعة هم: لقمان، والنجاشي، وبلال، ثم مهجع.
ولكل ذلك لا استغرب قول وزير الخارجية الألماني: (إن الفترة الانتقالية إذا تمّت كما هو مُخطّط لها بكل سلام واستقرار سيصبح السودان مثالاً يُحتذى لكل دول الإقليم والعالم العربي).
المهم، فالودائع مطوية في الخلائق إلى حين مجئ أوقاتها، وبالتالي فإنه لم يعد ثمة حجاب بين السودان وأقداره الكبيرة المُنتظرة سوى سلطان هذا الوقت الذي وردت الإشارة إليه بسفر (أشعياء) كما يلي:
“في ذلك اليوم تُقدّم هدية لرب الجنود من شعب طويل وأجرد، ومن شعب مُخوفٍ منذ كان فصاعداً، من أمة ذات قوةٍ وشِدةٍ ودوس، قد خرقت الأنهار أرضها إلى موضع اسم رب الجنود جبل صهيون”.
عطفاً علي ما سبق أستطيع أن أقول لنفسي في الختام أن السودان لن يكون مجرد هدية صغيرة للإقليم وللعالم العربي من حوله فحسب، كما تصور الالماني هايكو ماس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى