إلى القارئ الكريم

هشام عبد الملك يكتب : قوم بلا فلسفة جمهوريين معاك!!


هذه قصة واقعية، بطلها تلميذ في المرحلة الإبتدائية بمدينة عطبرة، التقيته في عام1975، وكان عمره وقتها ثمان سنوات تقريبا، وسألته عن أصل الحكاية، فقال لي، إن معلمه في المدرسة كان يشرح لهم معنى كلمة الماعون الواردة في الآية الكريمة “الذين هم يراءون ويمنعون الماعون”، وقال إن الماعون هو (الكورة أو الإناء)، لكن التلميذ النجيب، إعترض بقوله، “لا يا أستاذ، الماعون هو القلب”، فلم يقبل المعلم رأيه، ورد عليه باستفزاز شديد، وهو يعرف أنه ينحدر من أسرة جمهورية، (قوم بلا فلسفة جمهوريين معاك!!)
ربما كان الطفل الصغير على صواب، أو على خطأ، وأن كلمة الماعون قد تحتمل أو لا تحتمل المعنى الذي قصده، ولكن بسبب أصوله الجمهورية، فقد رفض المعلم مناقشة وجهة نظره من حيث المبدأ، وقرر أن رأيه مجرد (فلسفة جمهوريين)، لا يستحق الرد عليه بأفضل من السخرية من التلميذ الصغير!! وهي ثقافة الشارع السوداني الإنطباعية عن الفكرة الجمهورية!!
وقد سبق أن قلت في أعقاب التحول الذي أحدثته ثورة الشباب، إن الشيوعيين سوف يتحالفون مع المتمردين، لأنهم لا يملكون وجودا حقيقيا على الأرض، وأنهم لا يؤمنون بالتحول الديمقراطي أو التداول السلمي للسلطة، فالعنف والقوة هما الوسيلتان الوحيدتان لإحداث أي تغيير أساسي في المجتمع، ولو قال أي منهم بغير ذلك، فإنه سوف يتعين عليهم أن يبحثوا عن (مانيفيستو) جديد لتنظيمهم!!
صحيح أن الحزب لم يتحرك بهياكله المعروفة نحو ذلك التحالف غير المقدس، وإنما أرسل طفله الشرعي (تجمع المهنيين الإنقلابي)، ليقود ذلك الدور، ويبقى التنظيم بعيدا عن أي إتهام مباشر بالسعي لخلخلة الأوضاع، تمهيدا لتنفيذ المرحلة الثانية من المؤامرة، ولتحترق روما إن لم يحكمها البلاشفة الجدد، بقوة الحديد والنار!!
قادة التمرد بحلوهم ومرهم ينفذون مخطط جون قرنق، الذي يهدف إلى تدمير السودان العربي المسلم، يستوي في ذلك عبد العزيز الحلو مع عبد الواحد محمد نور ومالك عقار، ولا يختلف عنهم مني أركو مناي إلا بمقدار.. فلو كانوا ثوارا حقيقيين، لعملوا على تقوية الجبهة الداخلية، من خلال مشاركة فاعلة في توحيد قوى الثورة، لا إستغلال هشاشة الأوضاع لتعزيز المخاوف من حدوث تدخل عسكري ينسف جهود الإنتقال السلمي للسلطة، ومن ثم توظيف حالة السيولة القائمة والتي سوف تزداد ليونة بفعل خططهم الجهنمية، من أجل تحقيق مآرب أخرى!!
الشيوعيون كحالة كيزانية، ما يزالون يعتمدون القراءة الخاطئة لخريطة السودان السياسية، والوصول إلى تقديرات متسرعة، هي التي أوردتهم موارد التهلكة في عام 1971، وقد نقلوا عن الأستاذ محمود محمد طه، أنه حذر عبد الخالق محجوب من القيام بأي عمل طائش، حتى لا يروحوا ضحية له.. فهم ينتمون إلى شعب السودان، ولكنهم في الحقيقة لا يعرفونه جيدا، وربما يكونون بحاجة إلى من يذكرهم، بأن الخرطوم لم تنم لثلاث ليال، قبل أن تخرج بغضها وغضيضها لإسقاط إنقلاب هاشم العطا، في ملحمة حقيقية، فشل النميري في أن يبني عليها، ولوكان قد فعل، لكان قد أصبح أعظم الزعماء في تاريخ السودان القديم والحديث.. ولكن، الله يجازي الكان السبب!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى