القصة ومافيها

النور عادل يكتب : بعيدا عن السياسة قريبا من الروح

هذي الروح تحتاج منك إلى غذاء، تماما كما الجسد يتغذى، فالروح وهي تلك الاساس اللامرئي للجسد والفكر الإنسانيين تحتاج لغذاء. خاصة مع تزايد ضغوطات الحياة، ورهقها، وعنتها، في ظل واقع مادي قاحل، صلد، غير شفاف، ولا متسامح. ولا يعرف معنى الرحمة، ولا يعبأ بك، انت شخصيا، لا تسوى أمام هذه اللجج سوى ترس في آلة، نقطة في بحر، حبة رمل تذروها العواصف، وقل ما شئت من أوصاف التفاهة الحديثة.

ابدا يومك بذكر الله، وشكره على النعم، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، فانت قد أصبحت معافى في بدنك، ليس بك مرض او جرح غائر، ليس عندك جلسات للعلاج الكيماوي، هل رأيت كيف يعاني المبتلون به؟ ليس عندك ورم حدد ما تبقى لك من ايام، هل رأيت احدهم وقد مات بالحياة بعد ان علم انه مفارق؟ وبالطبع لست محكوم بالاعدام يوم غد. لست تقضي فترة حكم مؤبد خلف القضبان، انت بين أهلك، مجموع شملك مع أسرتك، احباءك، والديك، الكنزين المهملين عادة هذه الأيام، لم تفقد أحدهما، ولم تفجع بقريب حبيب، عندك قوت يومك، حتى لو قليل، هناك من ليس عنده أقل من ذلك. فابدا يومك بالشكر، فبالشكر تحفظ النعم، وتستمطر الرحمات.
ابدأ يومك بالكلمة الطيبة، لزوجك/زوجتك، انس الأمس، اترك ما مضى يمضي، جرب الكلمة الطيبة حتى لأصحاب الوجوه العابسة، امش بين الناس بالفأل الحسن، سيقولون: من سيء لأسوأ، فقل: الله كريم وباب فضله لم يغلق، غدا جميل.

ينتشر الإحباط في ظل واقعنا الموار بجيوش المحللين السياسيين -انا شخصيا اراهم دعاة متحمسين للتثبيط وان كنت احدهم- بأكثر من انتشار اي شيء آخر، لتكن انت مصدر الفأل والسرور، لتكن انت البشير المبشر بالخير، فالحياة ستمضي على الرغم من كل ما يقال، اذن لتمضي بالبشر والفأل الحسن وحسن الظن بالله.
إن غذاء روحك، امر ضروري ايها الإنسان، حتى لا تهلكك الحياة، حتى لا يرديك الاحباط من قمة اليأس، واستعن بالصلاة، وكثرت الذكر والشكر، وشكر النعم، وافرد لنفسك مساحة من يومك للتأمل، فهو دواء مجرب لجبر كسور الروح، وضماد فعال لندبات النفس وهو جابر للارواح المنهكة من اثر الحياة المادية المعاصرة، ولا يحتاج الامر لاكثر من حيز كاف لك وحدك للتأمل، في البيت، او في المسجد، او في اي مكان تسكن فيه نفسك وتأنس إليه روحك. وهذه ثلاثة مغذية للروح فتمسك.

فعل الخيرات، والعمل الطوعي، والبذل الانساني المجان، الصدقة، والمشي في حاجة الناس، هذا غذاء روحي إنساني تشترك فيه كل الملل والنحل، وهو من اكثر الاغذية نفعا للروح وحتى الجسد، واثره النفسي مشهود محمود، فالصدقة نور، تورث القلب انشراحا، ومساعدة الغير سبب لسعادة تحفك طوال يومك، وسبحان الله لم اعرف ما السر الرباني وراء هذه الخاصية الفريدة، ان تبذل وقتك ومالك لغيرك، فتسعد انت معنويا اكثر من المبذول له المساعدة، هذا أمر ضد الطبع الحديث، القائم على السعادة الانانية المبنية على الاخذ دون العطاء. اكملنا أربعة.

جرب البساطة، نعم، يظن الكثيرون أن السعادة في الغنى وكنز المال وجمعه وعده، وهذا هاجس نفسي ومرض عصري عضال، ان ترتبط وجدانيا بجيبك، فإن انتفخ سعدت وإن ضمر حزنت، وقد تبدو هذه مثالية، لابأس، فهذا عالم فاقد للمثل، فكن انت المثالي الان، جرب أن تعيش حياتك ببساطة في كل شيء، مأكلك، ومشربك، وملبسك، جرب أن تسعد نفسك طوال يوم بكتاب قديم اشتريته ولم تقرأه، بإعادة ترتيب اغراضك القلبية من الحياة، لماذا اعيش؟ ولمن؟ ولماذا افعل ما أفعل؟ ولما لا استرخي الآن؟ جرب ان تكتب احلامك وخواطرك في دفتر صغير، اكتب مذكرات يومية في شكل بسيط، سطر، نصف سطر، في جملة، في كلمة، اكتسب عادة بسيطة ومارسها واحبها، لحياة كل يوم تبهت من حولك، قاوم بالبساطة تعقيدات الحياة.

لن أطيل، واردت لهذه المساحة، أن تكون فسحة من مادة السياسة، بعيدا عنها قريبا من الله، والروح، والحياة، قريبا مني، ومنك. ستستمر الحياة يا صديقي، على كل حال وعلى الرغم من كل شيء. وانت كذلك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه. فأهنأ واسعد وقر عينا، وتذكر أن هذه الدنيا، دنيا لا تدوم. ودعها بإبتسامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى