إلى القارئ الكريمالسودان اليوممقالات

هشام عبدالملك يكتب : رسالة مفتوحة إلى سعادة الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي

 

أخي وشقيقي شمس الدين، أرجو أن تأذن لي بأن أخاطبكم بلغتنا السمحة، باركوها يا جماعة، فالطوفان إن جاء، فلن يستثني أحدا، ولن ينجو منه أحد..
أنا أعلم أنك واحد من أنجب أبناء قواتنا المسلحة، وتمتلك من سعة الصدر، بقدر ما تمتلك من شدة العزم، لذلك لن أحمل كلماتك الأخيرة بأكثر مما تحتمل، بل سوف أحملها على خير وجوهها، وأجعلها نقطة إرتكاز لحديثي معك، الذي أرجو أن يصل إلى قلبك، قبل أن يذهب إلى عقلك..
نعم، هذه الثورة العظيمة لن تمضي إلى تحقيق غاياتها، دون أن تصطحب معها جميع عناصر ومكونات هذا المجتمع المدهش، وفي مقدمتها جيشنا العظيم، وبقية قواتنا النظامية، وهذه بدهية لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها..
والشباب الذين خرجوا في ديسمبر وقبله، إنما ذهبوا ليحتموا بجيشهم، من بطش وجبروت مغول القرن الحادي والعشرين، وأنت شاهد على كل ذلك.. أما ما حدث في الأثناء، فقد كان نتيجة سلوك إجرامي، يستعيذ منه إبليس بالله، ومكرا سيئا لن يحيق إلا بأهله، إن شاء الله..
كل شيء وارد.. الأخطاء واردة، والإنفلات وارد.. فالشباب الذين شاهدوا إخوانهم يقتلون بالرصاص أمام أعينهم، لا يستطيع أحد أن يلومهم على ردود أفعالهم، مهما تجاوزت الحدود، فما حدث لهم كان قاسيا، وفوق طاقة احتمالهم وهم في ذلك العمر.. ولكن ليس هذا ما أردت أن أتحدث معك بشأنه، فهو مقدور عليه، وتستطيع حكمة هذا الشعب العملاق أن تحتويه وتتجاوزه، مهما كانت التكلفة، فقد قتلنا الأتراك قبل ذلك، في ديار الشايقية والمتمة، وحاول البريطانيون أن يبيدوا أهلنا في كرري وجبل سرغام وأم دبيكرات، ومات القرشي وإخوانه برصاص أهلهم وناسهم، في جامعة الخرطوم وأمام القصر، كما مات شهداء أبريل في الجزيرة أبا وود نوباوي والخرطوم، ولا نريد أن يستمر مسلسل القتل والدمار، فنكتوي بنيران فتنة تحيل نهارنا إلى ليل، وتذيقنا الأمرين، كما قال الأستاذ محمود محمد طه، فكفانا ما شهدناه وشاهدناه، وجعل الله كيدهم في نحرهم..
الأمر ليس كما صورته، أخي وشقيقي الكباشي، بأن هذه الحكومة لن تصمد لساعة واحدة إذا عاد الجيش إلى ثكناته، فجيشنا البطل، وقواتنا النظامية ليست مهمتها أن تحرس الحكومة، وإنما أن تحرس الدستور والقانون الذي ينظم علاقة مكونات الدولة ببعضها البعض، ويحدد صلاحيات وواجبات كل واحد منها، فالجيش يحرس حدود الوطن، والشرطة تحفظ الأمن الداخلي، والسياسيون والمفكرون يديرون الدولة، والعلماء والفنيون، يطورون الأجهزة والمعدات، والفنانون والأدباء والشعراء، يرتقون بوجدان الناس، (وناس الكورة يطقطقوا الكفر)، أما رجال القانون والقضاء، فإنهم يراقبون كل أولئك، ويوقفون كل متعد عند حدوده.. فالأمر في غاية السهولة واليسر، والحكاية مقسمة من فوق، ولا تحتاج إلى أية تعقيدات، فكل ميسر لما خلق له، وما هو مطلوب فقط، أن نلتزم نحن بأن نعطي الخبز لخبازيه، حتى لا تعود صفوف العيش وأزمة الوقود، وحتى يذهب أطفالنا إلى الروضة وهم آمنون مطمئنون، ونغني جميعا للوطن الجميل، كما غنى الخليل، مثلما غنت مهيرة تلهب الفرسان جيلا بعد جيل، وتعود حلايب والفشقة، بل ويعود الجنوب الحبيب..
أخي وشقيقي شمس الدين، ما زال لدي الكثير، ولكنني أكتفي بهذا، إلى أن يعود السودان الذي نتمناه، ونحلم به، وسوف يعود بقدرة واحد أحد..
آخر الكلام
(السودان هو قبلة العالم منذ اليوم، فلايهولن احد هذا القول لكون السودان قطرا صغيرا جاهلا خاملا وفقيرا ، فان الله قد حفظ على اهله من اصايل الطبايع مايؤهله لريادة هذا الكوكب الحائر) محمود محمد طه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى