مقالات

طارق مضوي يكتب : الحوار المفيد


بالنظر للأحداث الآخيرة فى مسار التحول الديمقراطي من الواضح أن البدايات تنبىء بالكثير المتوافق مع نهايات الديمقراطيات السابقة. لاكن المثير ان اخطاء النخب السابقة أدخلت عليها الحالة الاجتماعية السودانية بكل تباينها. بالرغم من ان الكثيرين يعتبرون ذلك هو الصوت المطلوب فى المعادلة، لأكن يتناسون ان هنالك معايير للتعبير عن الراي غير متوفرة و أجندة سياسية يمكنها تؤثر سلبا في الوضع الهش. هذا الامر، يتطلب ان نستصحب صراعات النخب السياسية السابقة وفشلها، ومن ثم نضيف اليها تعقيدات التعبيرات المجتمعية القائمة الان لتكوين قراءة تعيننا على فهم مآلات الامور في مقبل الايام.

استنفدت النخب السودانية جل اهتمامها في تناول المعضلة الثقافية لتركيبة المجتمع السودانى، وانغمست فى تشريح المتباينات للوصول الى توافق متناسية امر التكوين والتاسيس للدولة. مما ذهب بها الى مربع الصراع وانحاز كل لما يتوافق مع تكوينه الاجتماعى او حاول البعض التوفيق بين رؤاه واختلافات الآخرين. مما سمح للقوة الموجودة على الارض والمتمثلة فى العسكر من فرض التأثيرات التى تصعب نشوء الدولة السودانية المدنية. المقصود هنا بالتكوين الاجتماعي ليس القبيلة فحسب، بل الفكر والموروثات المتمثلة فى المكان، الأصدقاء وهى عوامل مهمة عند اللجوء لاستخدام القوة. فمن وجهة نظرى المتواضعة، لم يسعى المثقفين السودانين الى ابعاد العسكر من السلطة، بل باللاحرى أدخلوهم واستخدموهم فى السياسة.
فى المقابل، أدوات العصر الحالى اعطت الافراد مساحة للتعبير فا اختلط الشأن الخاص بالعام، التربية بخصوصية المجتمع، المعاناة الشخصية بتصنيف الاشخاص، الرغبات الخاصة بالقيود الموجودة.. هذا الامر جيد فى سياقات دراسات الاجتماع و محاولة فهم الذات من خلال التعثر والنهوض فى ظل الظروف السياسية المستقرة. اذ انه يحتاج لوقت لتشكيل اجسام ذات اجندة تستطيع ان تمارس ضغطا على الحكومة لاكنها ايضا تعتبر اداة من أدوات الهدم فى الأوضاع السياسية الهشة او الانتقالية بسبب عدم امتلاكها لمقومات ادارة الحوار، خلق رؤى متفق عليها والاهم من ذلك انها لا تمييز بين المهم والاهم.

هل هنالك خيار افضل بين انفراد النخب بالتنظير او فتح مساحة واسعة لكل افراد المجتمع فى الاطلاع بدور تنظيرى طبعا لا، هل هنالك أولوية الآن لتشكيل توافق يسمح بالانتقال الديمقراطى طبعا نعم. ايهما سنختار هو المعضلة التى يجب ان تبحث بوعى فى إطار البحث عن تشكيل الدولة.. ما أقصده هنا أن يتحول كل التنظير من الجانبين للنظر فى أدوات تشكيل الدولة. ان يتحول التنظير لمحتوى علمى لا ينظر للثقافة قبل الادوات ، لا ينحى للجدليات الدينية او الاثنية بل يستوعبها فى دستور ولا يستثنى جميع الخيارات من استقلالية الى وحدة، من فيدراليات الى كونفدرالية.
من المهم ان يتحول الحوار الى بحث منظومة العدل بحيث تحمل معناها فى اطارات الخصوصية وان تضبط بمستويات تمنح العملية العدلية فرصة التقاضى المستمر المستمد من الدستور المتفق عليه. ان تكون مؤسسات فيدرالية مستقلة حال كان خيارى الفيدرالية او الدولة الواحدة هم المتوافق عليهم. عندها سوف تتلاشى تأثيرات العسكر في السلطة ، وسوف يتحول الحوار لصندوق اقتراع مقابل الانقلاب.
عندها ايا كانت تلك الحوارات أو نتيجتها، المستفيد هو السودان باى شكلٍ يتخلق. عندها سوف يستطيع السودانين أن يحلموا عطفا على الدولة التى تتخلق. وسوف يستطيعون ان يقفزوا على كل هذه الجلبة ان كانت مناهج، او زواج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى