القصة ومافيها

النور عادل يكتب : الحرية لنا ولسوانا الجحيم

كنت أتوقع أن يكون الليبراليين ديمقراطين، وأن يكون لدي اليسار وعي، وأن يكون القوميين واسعين، لكن جائحة القراي اثبتت أن من يدعون الديمقراطية هم ببساطة مجرد قشور تشبه بعضها في الفهم والطرح والهباء.
اختفت صور القيادة العامة، تلك الصور الجميلة المعبرة التي تجمع بين فتاة منتقبة وأخرى راهبة مسيحية، وأخرى ترتدي الجينز. غابت صور التلاحم العفوي بين اليمين واليسار والوسط، اعادوا المصاحف إلى رفوفها واستل كل كتابه يحاجج به ويدعوا إليه. وبالطبع فالمسلم الذي يدعوا وينافح عن دينه وثقافته فهو الخاسر، اذ ليس من حقه ان يدافع عن نفسه وقيمه، ولكن مسموح في دين الاممين الجدد، ان يدافع الكل عن دينهم وثقافتهم، عدا السوداني المسلم حرام له ذلك.

ببساطة وبكل بجاحة أسفر التيار العلماني عن وجهه الايدولوجي الكالح، وبدأ ذات المقطع المشروخ من تخوين واتهام لخصومه الذين انتظموا بسلمية في حملة اسفيرية راقية، ضد شخص نزق، مغرور ملأ الدنيا عويلا، وضجيجا، واثار خلافات الانا والآخر، في مساحات العام، وهي المساحة الخطرة جدا والتي لا تقبل أي قصور نفسي من روادها، وادعى لنفسه كمالا لم يبلغه احد من العالمين، وحين ردت عليه قطاعات كبيرة واسعة من الشارع، خرج النشطاء (الانسانيين) يعيبون على هذه القطاعات ان مارست حقها الديمقراطي! اسفروا عن الديكتاتور المثقف الذي يرى العامة همج رعاع لا حق لهم الا في اتباعه هو ومن على شاكلته، هددوا وازبدوا وارعدوا بأكثر مما فعل اليمين نفسه، مع ان الاخير هو المعروف بالشدة والرفض، لكن دعاة التقدمية، والمستنيرين (اخر زمن) تحولوا بعد قرار رئيس الوزراء القاضي بتجميد لاحظ (تجميد) المقترحات محل النزاع لحين التشاور الواسع مع بقية شرائح المجتمع، فجأة تحولوا وتذكروا أن حمدوك حبيب الكيزان، وتذكروا انه باع القضية، بل وذهب بعضهم لوصفه بالكوزنة والتحيز للإسلاميين! لم يتركوا للرجل صفحة الا وعطنوها وطمسوها بالسباب والانكار، وكأنهم كانوا يريدونه رئيس وزراء خاص بالاخوة الجمهوريين والعلمانيين واليساريين، ولبقية المسلمين وشباب الاسلاميين والصوفية والختمية والانصار لهم المشانق.

بات جليا أن الديمقراطية عند الناشط العلماني السوداني تعني الأنا، والنحن، تعني ان يكون الصندوق صندوقنا، والاختيار اختيارنا والقرار قرارانا، والبلد بلدنا والاخرون هم الشيطان، والارهاب والخراب، وكل مفردات العيب والعار.
بات جليا أن شعار الحرية لنا ولسوانا بات يعني الحرية لنا فقط، وسقطت سوانا في جب الشلليات والحزبيات الضيقة، وأعمدة الرأي ذات الاتجاه الواحد غربا، وباتت لسوانا الاتهام والوصم بكل نقص، هذه هي الحرية عندهم.

إن ازكاء داء الاسلاموفوبيا في بلد غالبيته مسلمة، لعب بالنار خطر، لن يحرق الا من يؤجج نيرانه.
إن هذا الشعب واع، يقظ، يكره الكيزان لكنه لا يكره دينه الإسلام، يكره اللعب والاستهزاء بالعواطف الدينية من الكيزان ولا يرضى الكفر بدينه وقيمه حبا للجمهوريين وضلالهم القديم، وهؤلاء ليسوا سوى شيعة بكائية تقيم لطمية لمحمود وتزعم ايضا اسلامية طوباوية غير قابلة للنقاش. وهم ليسوا اقل كوزنة الان من الكيزان فقط تنقصهم السلطة ليروننا وجههم القميء الظلامي، وحينها ستفتتح بيوت الأشباح من الحارة الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي.

إن الدماء التي سالت في شوارع السودان كافة، لم تسيل وتراق حبا لمحمود محمد طه او كفرا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم ترق شوقا لجنة العلمانيين الموعودة، ولم ترق ايمانا باليسار وعلو كعبه، بل رقت وارتقت ايمانا بالعيش الكريم، وبالحرية الراشدة، وحق الاخر في ان يكون ما يعتقد وليس ما تريده السلطة ان يعتقد، ايمانا منها أن انسان هذا البلد حر في اختياره وليس لاحد قط ان يملي عليه ما يعتقد، ليس من حق القراي أن يضع في مكتبه لوحده صورة، او نقطة، او سطر، كما أشار بيان البراءة من لجنة المناهج من اساتذة بخت الرضا الأجلاء، ولم يردد عليه القراي في مؤتمره الأخير، هذه السقطة الأخلاقية التي غض اتباع القراي عنها الطرف عمدا وظلوا يصرخون بالعلمية والاكاديمية والتعليم الحديث، ونسوا وتناسوا أن فاقد الشيء لا يعطيه.
هناك إجماع شعبي على تغيير المقررات والمناهج، نعم، ولكن ليس هناك أدنى شك في الرفض الشعبي، أن يكون المنهج والمقرر الجديد نسخة منقحة عن افكار فئة لا تصلي صلاتنا، بل ولا تصلي حتى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الان حصحصت الافكار عن وجهها، وعلمنا شكل الديمقراطية التي يريدها لنا معشر النشطاء الجدد، ديمقراطية شمولية تعني اما نحن او الجحيم.

ورغم كل السخط والمناحة التي أعلنها نشطاء القراي الشخص، فنحن مع المؤسسية ومع قومية لجان المنهج الجديد، نحن نؤمن بقوة أن الحرية لنا ولسوانا ولا نخاف أن نعرض بضاعتنا على العام، فهذه قبلتنا، وهذه رسالتنا، وهذا نهج نبينا عليه الصلاة والسلام (الاثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس) فأين قبلتكم؟ ومن قائدكم؟ وما هو كتابكم؟
ورسالة في بريد مفتشي النوايا، الاممين الجدد، ان ورقة وطنيتنا ارفع وأعز من أن يصححها قلم مغترب، غريب الفكر واللسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى