القصة ومافيها

النور عادل يكتب : بحر الفساد كسر

قبل يومين صرح السيد مني اركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، أن أقل من عشرة بالمئة من الذهب المنتج في البلاد يمر عبر قنوات الدولة الرسمية، وأن الباقي يتم تهريبه سرا عبر المطارات المختلفة للخارج.
وقبله صرح رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك نفسه أن ٨٥ بالمائة من مال هذا البلد خارج ولاية الدولة.
ولم يحدث شيء إلى الان، ضاعت التصريحات وحلت محلها التفاهمات، ودارت عجلة الترضيات والتسويات.
تذكرون صورة مناع والبرهان؟ تختصر الكثير مما يمكن أن يقال.
وقبل أيام عمت الصحف أخبار عن انهاء خدمة عديد موظفي مكتب رئيس الوزراء د حمدوك، وكان الراجح أن التسريح سببه ما شاع عن أن المسرحين يصرفون مرتباتهم بالدولار أضعاف العملة الوطنية.
وفي الذاكرة الحية هذه الأيام، كثير من حكايات الفساد الانقاذي البائد، فرجل واحد من تلك الثلة الفاسدة، يمتلك امتياز الاف الكيلومترات من طريق دنقلا إلى الحدود المصرية، شرقا وغربا من الاسفلت. وآخر لا يزال يملأ الاسافير بالتحدي العاجز، والوعيد البالي القديم، دون حياء من ذكره علنا وهو يملك من أراضي مدينة بحري ما يكاد يصل النصف، والرجل بعد في تسجيلاته الشبيهة بتسجيلات تنظيم القاعدة يحدثنا ببرود عن الورع والتقوى!
ولنرجع بالتاريخ بضع عقود إبان الثورة على مايو وازاحة النميري، حين قرر النائب العام وقتها إرضاءا لليسار ولحزب الأمة فتح تحقيق حول اموال الحركة الإسلامية، خاصة بنك فيصل، فجاءت النتيجة مخيبة للآمال، بأن اكبر عشرة مستثمرين ومستفيدين من مرابحات البنك هم من الحزبين التقليديين الكبيرين، مع واحد او اثنين من الحركة الإسلامية، ومات الحديث في مهده. كما تموت حكايات لجنة ازالة التمكين كذلك هذه الأيام.
نفس الرقم عشرة، يقودنا لتصريحات رئيس وزراء الانقاذ ابان افولها معتز موسى حين صرح أن المتلاعبين في الدولار عشرة أشخاص معروفين لديهم!
الذاكرة حية، موجعة، موغلة في الألم، والتعذيب لكل متابع، وكلها تقودنا إلى الآتي:
-معاش الناس هو آخر هموم السياسة في بلدنا، لكن شفهيا على مستوى الاعلام يأتي في المقدمة!
-السياسة السودانية قديمها وحديثها، حبلى حد التخمة بالفساد.
-الفساد العام بات سمة ملازمة لكل اطراف اللعبة، معارضة وحكومة، فقط مع اختلاف الاوقات وتبدل المواقع.
-السياسة عندنا تكرر نفسها لدرجة تظن معها أن التاريخ قد توقف عن الدوران، فمن سياسة التطهير المايوي إلى التمكين الانقاذي، والان ازالة التمكين واحلال تمكين آخر يساري واثني محدود، نفس الغباء لكن باتجاهات متعددة!
-شعبيا، يظل المواطن، أي غالب الرعية بعيدا عن هم النخب، فسقف الرعية في الكلأ والماء والكهرباء وانبوبة غاز وسكر شاي الصباح، بينما هموم النخب في الكراسي بأي شكل وبأي كيف!
-دائما ما تكون هنالك أقل من أقلية رأسمالية، وصولية، مجرمة، محتالة، تحتكر قوت ومعاش الناس، خاصة في الفترات الإنتقالية، فتخيل يا عبدالله عشرة أنفس تزداد ثراءا كل يوم بملايين الدولارات، بينما اربعون مليون نفس تعيش حياتها بثقافة (المباصرة) وتعتاش على اقل من ٣ دولارات في اليوم، بسعر اليوم التاشيري ٣٧٧،٩ ولا حياة لمن تنادي!
-الشباب، الشريحة المهمة في كل نهضة، أسرى للبطالة، للشوارع، لجلسات الشاي الممتدة لليوم الموالي. فنسبة البطالة تاريخيا، منذ الاستقلال الصوري وإلى الآن هي آخر ما يهتم له المسؤولين بله عن شعورهم بالاحراج.
-دائرة القبيلة والعصبية لا تزال قوية، فاعلة، مؤثرة، حاضرة رغم كل ادعاءات النخبة، التسامي، والترفع، والتوحد تحت راية المواطنة. وفي هذا العهد الإنتقالي بدأنا نشهد روح قبلية تترتدي لباس الحداثة والعلمنة! وهذا منتهى الاستهتار بالمبادئ.
-الإعلام الوطني بكل أسف، وحزن ولوعة، بات في قبضة شلة ضيقة، نفس ما حصل صبيحة انقلاب يونيو ١٩٨٩م فقط هذه المرة الشلة اضيق، يقودها يساري متطرف، وليبرالي حاقد، وقومي عروبي مثالي أزيد من اللزوم.
-العسكر هم العسكر، لن يصبروا على الحياة المدنية حزبية تعددية كانت أو تكنوقراطية، فهم يحتكمون أبدا لمفهوم القوة والغلبة.
-الكيزان سيظلون كيزان، لن يهدأ طموحهم في الحكم ولو على جثث العالمين.
-العالم والمجتمع الدولي من حولنا، لا يقدم قروضا لوجه الله، وهناك ملامح فساد بدأت تطل، ستسفر عنها الايام.
-امريكا تاريخيا صديقة حميمية للانقلابيين وللشموليات، ولن ترضى بتحقق نموذج حكم ديمقراطي حر هاهنا مالم تضمن مصالحها بالتمام وزيادة. انظروا من هم وكلائها.
-الايدولوجيين، هم آخر من يتحدثون عن الحريات ، تاريخيا ما عانى هذا البلد بمثل ما عانى الكبت، الا في ظل حكم اليسار والحركة الاسلامية. ليتهم لو يتنحوا قليلا عن سماءنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى