ثقافة وفن

(زنقولا) لماذا أُحاكم على خلع (القميص) ولا أحد ينتقد المشهد في جلد السوط (االبطان)

حوار: محمد جادين .. نقلا عن صحيفة اليوم التالي


في حوار مختلف وقضية مختلفة شغلت الرأي العام خلال الأيام الماضية بعد الحفل الضجة بنادي (المكتبة القبطية) بالخرطوم وما خلفه من ردود أفعال متباينة وانتقادات واسعة من طيف كبير من الشارع السوداني بعد انتشار مقاطع فيديو لحفل (موسيقى الراب) لفنان شاب لا يعرف الكثيرون عنه شيئاً، وكانت المفاجأة الجمهور الكبير من الشباب من أعمار صغيرة ممن حضروا الحفل ما لفت الانتباه إلى أن هناك تحولاً كبيراً حدث في المجتمع وأن هناك جيلاً مختلفاً تماماً بدأ يظهر بثقافته وموضوعاته إلى السطح رغم السخط الذي قوبل به من الكثيرين، ولكن واقع الأمر يقول غير ذلك أن ثقافة جديدة تمددت في الشارع من شباب اليوم ومستقبل الغد ما يفتح الباب للحوار والتعامل مع (الجيل الراكب راس)، اللافت في الأمر أن موسيقا (الهيب هوب) و(الراب) تجد تداولاً وقبولاً من فئة كبيرة من الشباب يرددون كلماتها التي تبدو غير مفهومة ويتفاعلون مع موسيقاها الجديدة علينا.. (اليوم التالي) حاولت كسر حاجز العزلة ومدت جسور التواصل وأجرت الحوار التالي مع الفنان الشباب خالد فرحات الشهير بـ (ود المزاد) أو (خالد زنقولا) فتحدث بوضوح وصراحة مفرطة عن الكثير من الموضوعات والقضايا التي تهم شباب جيله وما أثير من ضجة وردود أفعال في حفله الأخير بنادي (المكتبة القبطية) فتحدث بلغة مباشرة ودعا للتعامل والتواصل مع هذا الجيل والاستماع إلى مشكلاته وطموحاته والاستفادة من طاقته لا النظر إليه من باب الاستخفاف باعتبار أن هناك واقعاً موجوداً ومتمدداً يوماً بعد يوم سيتجاوز الجميع ولا يعبأ بنظرة من سبقوه إذا كان من خلال موسيقا (الراب) أو غيرها، فإلى ما دار من حديث:
بداية عرفنا عليك
أنا اسمي خالد عز الدين عثمان فرحات، أصلاً من (جزيرة بدين) بالولاية الشمالية ولدت بالإمارات في مدينة العين كنت متنقلاً مابين السودان والإمارات طوال العام، وأصحابي و(فِرَدي) كلهم هنا في الخرطوم بحري المزاد، والدي طبيب بيطري مقيم في الإمارات تقاعد ولديه عمله الخاص هناك، وأمضيت معظم حياتي في السودان أكثر من أشقائي وامتحنت الشهادة السودانية من الخرطوم، ودرست في (جامعة الرباط) تسويق ولم أكمل واتجهت للموسيقا ورجعت للإمارات وبدأت العمل في مجال الإنتاج الإعلامي مع شقيقي.
لديك أكثر من اسم شهرة
اشتهرت باسم بـ (ود المزاد) أو (زنقولا)، واسم (زنقولا) عرفت به عندما كنت أعمل على موسيقا الـ (دي جي) ومن ثم تحولت إلى فنان (راب).
اشتغلت في مجالات عديدة لكن آخر وظيفة لي قبل أن أنتقل إلى عملي الخاص (البزينس الحر) كنت أعمل منتجاً في مجال الإعلام والإعلانات، وفنياً متخصصاً في الصوت وعملت في أماكن مختلفة في قنوات (نيتفلكس) العالمية المتخصصة في الأفلام والمسلسلات، واشتغلت في قنوات (أم بي سي) وآخر عمل لي كنت ضمن فريق مسلسل (العاصوف) المشهور وقبله مسلسل (حارس الجبل) و(شهرزاد) ومسلسلات عديدة، وعملت أيضاً في سينما (بوليود) و(هولويود) مع الممثل العالمي (ويل سميث) وكان أن أكمل فيلماً في إستدويهات بـ (دبي)، وعملت أيضاً في هيئة أبوظبي للإعلام.
أين عملت في مجال الإعلام؟
عملت منتجاً في مجال الإعلام وفني صوت وكاميرا إلى أن وصلت مراحل متقدمة ومحترفة في المجال، وأصبحت مهندس صوت متخصصاً ومنتج إعلانات تلفزيوني ومع (تيك توك)، واشتغلت مع مجموعة إعمار في المملكة العربية السعودية وكان لديها عمل في مجال البنى التحتية في جدة، ولدي شركة خاصة في الإمارات وشركة إنتاج إعلامي وأستديو ومعدات كاملة ومجهزة موجودة في دبي وأنوي أن أنقل العمل إلى الخرطوم.
متى بدأت الاتجاه إلى الموسيقا
التحقت بفرقة (راب) في 2009 مع مجموعة من أصدقائي، وآخر أغنية نزلتها كانت مع مجموعة (جوطة) التي تضم (الصادق صديق وولي ومحمد علي) ومعظم من عملت معهم خارج السودان.
أين كانت بداياتك الحقيقية في السودان أم الإمارات؟
البداية كانت في الإمارات وعرفت هذه الموسيقا في الإمارات لكن أخذت الفكرة من الخارج وجيت السودان وعملت ليها تنقيح.
ألا تتفق معنا أن موسيقا (الراب) في السودان ثقافة جديدة وكيف وجدت القبول هنا؟
موسيقا (الهيب هوب) أو (الراب العربي) عامة خلال الـ (4) سنوات الماضية كانت ومازالت الموسيقا الطاغية للشباب، والتدرج كان يمضي بسلالم موسيقية مُحددة وأغاني مثل التي يطلقون عليها (أغاني الزمن الجميل) وكل موسيقا لها مصطلحاتها ولونيتها وحدثت نقلة كبيرة في الموسيقا خلال الجيل الحالي وأصبح هناك مايعرف بالموسيقا (الإلكترونية) وتطورت الفكرة من العود والبيانو، ويمكن أن نقول إننا حالياً في نقلة أو مرحلة (المهرجانات) أو ما يعرف بموسيقا (الزنق) وما يطغى حالياً وما يمضي في المستقبل بكل ثقة أقول أن المستقبل لموسيقا (الراب) شاء من شاء وأبى من أبى بدليل ما حدث ويحدث من طفرة ونقلة كبيرة في دول عربية قريبة مثل السعودية ومصر والمغرب ومورتانيا والعديد من الدول أصبحت موسيقا (الراب) هي المُسيطرة حالياً في هذه البلدان والسودان ليس استثناءً من هذه الموجة.
مقاطعة.. هل يمكن أن نقول إن موسيقا (الراب) مقبولة في السودان؟.
بصورة أدق دعني أقول بوضوح لكي نخرج من فكرة هذه الموسيقا مقبولة أو غير مقبولة (الراب) كان غير موجود في السودان وبدأ ينتشر حالياً، وبالعودة إلى السؤال نعم يوجد قبول لموسيقا الراب ولكن ليس من كل الناس، وأنا أطالع التعليقات في الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي فلم أجد نقداً علمياً وموضوعياً لما يُقدم لأن من يتحدث وينتقد بصورة جارحة لا يعرف خلفية عن هذه الموسيقا أصلاً ولا يعرف أصلاً كيف يفكِّر هذا الجيل (الراكب رأس) فأنا ليس مجبراً إلى أن أموت يجب أن أسمع أغاني (حقيبة) مع احترامنا لها وأنا شخصياً أحبها واستمع إليها أو أسمع ما يعرف بأغاني الزمن الجميل، وفي نفس الوقت يجب أن نمنح كل إنسان مساحته الخاصة.
برأيك هل لموسيقا (الراب) مستقبل في السودان
بكل ثقة أقول طبعاً.. مستقبل الراب بدأ بقبول الشركات الكبيرة والتي بدأت تسخدمه في الترويج لمنتجاتها من خلال الإعلانات، وانتشاره في وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما يدخل قطاع الإعلانات بالتأكيد سيُحدث ثقافة جديدة في الموسيقا، وتخيل مثلاً أن أقدم نشيداً للمنتخب الوطني لكرة القدم بموسيقا الراب ومع التطور الذي يحدث والتحولات الكبيرة في العالم والمناطق من حولنا هل يمكن أن نقدم موسيقا وأغاني (سيرة) و(دلوكة) لنقدمها للآخرين، ولكن يمكن أن نعمل مزيجاً لموسيقانا ويمكن أن نُدخل فيها موسيقا (الراب) وهي بالطبع تقبل توظف فيها التراث الغنائي من الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط.
هل موسيقا (الراب) قادرة على استيعاب هذا التراث
بكل تأكيد طبعاً (الراب) يمكن أن يستقبل أي شيء، ومستقبل (الراب) كبير في البلد بدليل أن أول حفل لي كان في (بورتسودان) وكان ناجحاً بصورة كبيرة وغير متوقعة ومن التعليقات تسمع أيضاً (الإيقاع دا ممكن أظبطوا مع الطمبور) وهذه كلها مؤشرات قبول، وتركيزي على الولايات وحفلي القادم في ود مدني حفل خيري لصالح مرضى السرطان والكلى، وهذا ما حدث في مصر عندما انتشرت المهرجانات والموسيقا هناك تطورت، وحالياً أكثر (ترند) في مصر (مهرجان تراب)، فتركيزي خلال الفترة الحالية لتنظيم حفلات في الولايات، والترتيب القادم لحفل في ود مدني، والمخطط القريب إقامة حفلات في دارفور وفي معسكرات النازحين لنصل إلى الشباب هناك لأن مواضيع أغنياتي أيضاً تتحدث عن الحرب والسلام ومعاناة الشباب في المعسكرات.
عدد كبير المجتمع السوداني يتخوَّف من ثقافة (الراب) أنها منفلتة وبعيداً عن تركيب وشكل الموسيقا.. الخطورة في الكلمة ومحتوى ما يُقدم
أنا أقدم محتوًى يعكس لسان حال الشباب في الشارع بنسبة(100%) من وجهة نظري، وأهم قضية أتحدث عنها ورقم واحد في أعمالي الُمخدرات وغيرها قضايا كثيرة مثلاً أغنية (كلام كتير) والأغنيات تتحدث عن هموم ومشاغل ومشاكل الجيل الحالي، فأنا أعبر عن شباب يعاني يمضي يومه في صف العيش، والرسالة الحقيقية في الراب تقدم بشكل مباشر من غير تلوين، فالأغاني الكلاسيكية تتحدث عن الحب والغرام أما رسالة الراب فتعبر عن ما يحدث في الشارع بالضبط بلغة مباشرة.
حفلك الأخير لفت الانتباه إلى موسيقا (الراب) ولكن من التعليقات أن اللغة غير مفهومة فكيف توصل رسالتك بلغة غير مفهومة؟
من قال إن لغة موسيقا (الراب) غير مفهومة فهي لغة الشباب في الشارع ، فرسالتي أصلاً لجيل محدد يفهم ويعرف هذه التعابير والجميع في الحفل كان يغني معي ويحفظ الكلمات تماماً فأنا أغني لجيلي.
معروف أن موسيقا الراب عالمياً وكبار نجومها عليهم الكثير من المآخذ وارتبطت بالعنف والمخدرات أليس من المنطقي أن تنتقل هذه المخاوف إلى الشارع والأسر وأنت تقدم هذه اللونية
نعم ارتبطت موسيقا الراب لدى البعض بالمال والمخدرات والعنف، لكن المحتوى الذي أقدمه يحارب الظواهر السالبة ومثل ما قلت أن قضيتي الأولي هي المخدرات.
ماهي أبرز مواضيع أغنياتك
أغنياتي هي لسان حال الشباب في الشارع مثلاً العطالة وأننا نجد صعوبة في الحصول على عمل ولا أحد يريد أن يسمعنا أو يحس بمشاكلنا حتى وهذه أكبر مشكلة وفي مقطع لإحدى أغنياتي يقول (نسينا كيف نحل نسينا أي محل نسينا أسباب شهادة من كم سنة ليها بنحل) وهي تعبر عن طموحات ومشاكل جيل تخرَّج ولم يجد فرصة وتحول إلى (جوكي في ركشة) أو غادر إلى الخارج وركب المحيطات عبر (السمبك) أو سافر ليعمل حارس أمن في دول الخليج هذه مواضيع أغنياتي وأنا أتحدث عن الشارع (ومافي زول عاوز يسمعنا ولا شغال بينا ونحاول بكل قوتنا ندي كل العندنا نحن لانريد أن نستهلك طاقتنا في بيئة طاردة وأوضاع طاردة والجو العام طارد).
أتريد أن تقول إن الجيل الحالي مظلوم؟
نعم الجيلي الحالي مظلوم ومافي قبول للشباب في السودان، وعلى الصعيد الشخصي وصلتني فرص أن أعمل في مجالات إعلانات عالمية كان يمكن أن تحقق لي مستقبلاً ليس أن امتلك شقة في الرياض أو المنشية بل في كلفورنيا في أمريكا ولكن رفضتها وفضلت أن أكون في السودان وتركت وظيفتي بالإمارات براتب (30) ألف درهم، وقررت أن أواصل في مشروعي لأعبر عن هذا الجيل وعن شباب يرى المستقبل مظلماً أمامه وعندما يصل (25) عاماً يمكن أن يُصاب باكتئاب وأمراض نفسية.
ماذا يفقد هذا الجيل
أولاً يفقد هذا الجيل إنو الناس يسمعوهم ولديهم أفكار ومشاريع وطموحات ومستقبل ولديهم طاقة ولكن البعض ينظر إليهم بأنهم شباب ضايع وأغنياتي وأعمالي تعبِّر عن هذا الواقع.
من يؤلف لك؟
أعمل في تأليف أعمالي لوحدي وكلماتي، أما في الألحان فنحن مجموعة ونعمل في شكل ورش.
لماذا لم تحاول التعامل مع شعراء معروفين
حاولت التواصل مع شعراء لكن لم أجد تعاوناً، مع أني تعاملت مع الموضوع (بيزنس) بمقابل مالي محترم وسألت أحد الشعراء ولم أجد منه اهتماماً لأنه ليس لديه اهتمام أصلاً بمشاغل هذا الجيل حتى يعبِّر عنه.
حفلك الأخير أحدث ضجة كبيرة خاصة خلعك لقميصك والغناء عاري هذا السلوك وجد انتقاداً كبيراً ومخاوف أن تتمتد مثل هذه الظواهر بين الشباب؟
لماذا هذه الانتقائية في التعامل، وفي ثقافتنا في السودان هذا الأمر موجود ولا أحد نظر إليه بهذه الصورة مع أن الفعل واحد، ومعروف عند كثير من القبائل عادة (البطان) والجلد بالسوط يكون الرجل عارياً في حفل وسط كل الناس بما في ذلك النساء بل يجد تحفيزاً وزغاريد ولم ينظر إلى الأمر من منظور عيب، وحتى لاعبي الكرة يمارسون ذات العادات فلماذا ينصب هذا السخط والانتقاد ضدي فقط، وهذه لحظة عادية وانفعال مع الجماهير خلعت (الفنيلة) ولا أجد مشكلة في ذلك.
ألا تضع في الاعتبار مخاوف الشارع والآباء والأمهات من تأثير هذه الثقافة خاصة وأن الصور المتداولة للحفل الأخير ظهرت لقطات لأحد الشباب يحمل بنت على عنقه؟
نحن لماذا ننظر إلى الموضوع دائماً بزاوية الخطأ قد تكون هذه البنت شقيقته، خاصة وأنهم كانوا في آخر الصفوف الخلفية وحملها على كتفة لتوسيع مساحة الرؤية ولو لاحظت أن من حولهم تعاملوا مع ما حدث بصورة عادية وغير مركزين معهم تماماً وفي النهاية هي حرية شخصية وأنا غير مسؤول من تصرفات الجمهور.
كيف تنظر إلى عكس ثقافة وتنوه البلاد إلى الخارج من خلال موسيقا الراب؟
نحنا شايفين أنو الراب هو الذي سيفتح أبواباً لهذا الجيل وإعلامياً يمكن أن من خلاله نعكس صورة السودان للخارج باعتباره أصبح ثقافة عالمية، نحن لا نريد أن نحفر في ذات الحفرة القديمة نريد أن نخرج بجديد وأن نفتح سوقاً لموسيقا الراب في السودان، وأنا مقتنع من جواي بنسبة(100%)أنا أقدم في حاجة جديدة في البلد ولو الـ (41) مليون نسمة في السودان ما كانوا مقتنعين بما أقدمه.
هل قدمت لك دعوة من القنوات التلفزيونية المحلية لتقديم هذا الشكل من الموسيقا؟
نعم قدمت لي دعوات ولكن صراحة أنا لم أكن حريصاً على الظهور في هذه القنوات لأنها في الأساس غير مقتنعة بهذه الموسيقا ولم تفتح لها مساحات من قبل والأمر عندي أنها تريد الحصول على مشاهدة بعد الضجة التي أحدثتها حفلاتي الأخيرة ولي عمل يعبِّر عن إقصاء الشباب من الإعلام أحد مقاطعه تقول (أنا جوه الشاشة الغشاشة محتاج لي بس مقشاشة).
نرجع إلى الموسيقا إلى من يسمع خالد من الفنانين في السودان ؟.
أسمع إلى كثيرين ولكن أسمع للفنان مصطفى سيد أحمد ومحمود عبد العزيز، وعندي مصطفى سيد أحمد من أجمل وأقوى الأصوات في السودان وخامة صوته ومخارج حروفه(100%) صحيحة ومعروف في الموسيقا أن أصعب حرف يخرج هو حرف الـ (السين) وفنانون عالميوين يمكن أن يدفعوا فرق (50) ألف دولار لمهندس صوت من خلال مايكرفون محدد لتكون مخارج حروفهم واضحة ومعدلة، ومصطفى سيد أحمد صوته نظيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى