مقالات

النور عادل يكتب : ما الحل 1-2

مؤسف أن تاريخنا السياسي الحديث بعد الاستقلال (الصوري) عن الاستعمار لا يزال يكرر نفسه في نفس الدائرة الجهنمية المتكررة. ديمقراطية ثم انقلاب وهكذا. لكن أكثر ما يؤلم ويؤسف له هو أن لا أحد يريد أن يتعظ ويقرأ التاريخ برغم أنه حديث، مبذول، معلوم أغلبه.

هذه رسائل مشفقة اسأل الله أن يقبلها وتصادف أهلها، في بريد كل القوى الفاعلة في المشهد الان:
-السودان بلد مسلم الهوية، عربي اللسان، متعدد الاعراق والثقافات، لكن الهوية الجامعة هي الإسلام شرعا وعقلا وثقافة غالبة، وإن أي محاولة لتجاوز هذا المعطى الثقافي المتين ستجر البلاد إلى نزاع هوياتي شديد الحدة والاستقطاب، وقد رأينا شدة وضراوة الحملة الشعبية ضد مدير عام المناهج السابق وكيف اذعنت الحكومة في الاخير وسحبت الرجل او استجابت وقبلت استقالته بل ولاحقا همشت وزير التربية والتعليم ذو الخلفية اليسارية المتطرفة، وهذه المعركة استهلكت الكثير من الرصيد الشعبي للحكومة الانتقالية التي نسيت وقتها أنها (انتقالية).

-القضايا الكبرى، كعلاقة الدين بالدولة، وهوية البلاد الثقافية محلها المؤتمر الدستوري الجامع، لذلك على السيد وزير العدل أن يكف عن القفز فوق المراحل وحرق المحطات لصالح حفنة واقلية تحاول أن تؤسس لتشريعات وقوانين لن تمر دون تساؤلات الشارع ومزيدا من الانقسام حولها، والرجل إلى الان – للأسف- يلعب أدوارا مشبوهة في ملف العلاقات مع الكيان الصهيوني آخرها كان لقاءه بنائب وزير خارجية الكيان في دولة عربية، فهذا الملف تحديدا لا يعني الشارع كثيرا وثبت إلى الان أن ( أوهام المطبعين) ذهبت ولا تزال ادراج الرياح، فبعد نحو عام من التطبيع لا تزال يد الكيان مغلولة إلى عنقه، وهذه صفة ذكرها الله فيهم انهم بخلاء، فهم بخلاء حتى في ملفات العلاقات الخارجية مع المطبعين الجدد.
لذلك على وزير العدل والمجلس السيادي الحاكم أن يرجئ الملفات الكبرى إلى موعد انعقاد المؤتمر العام بدلا عن محاولة فرض الرؤى الحزبية الضيقة من أعلى وقد عُلم بالتجربة أن هذا الشعب لا يتقبل سياسة الأمر الواقع. بل يقاومها بشتى السبل.

-حين نقول ان الطبيب لا يفتي في الهندسة لا تعتبر هذه اساءة للطبيب. وحين نقول ان النجارة ليست للحدادين ليست سبة. وهكذا، فحين نقول ان الادارة خاصة إدارة الدول ليست من صميم المكون العسكري فليست سبة أو تنقصا من الجيش، وهذه المأساة مقرونة بطبيعة الدولة الحديثة أساسا، فالدولة الحديثة هي وليدة الفكرة الليبرالية الداعية للفصل بين السلطات الثلاث، والعسكرية تنفصل في الجزء التنفيذي كما هو معلوم وليس التشريعي. وان من الرزية المكررة هو أن العسكريين عندنا كما في معظم الدول العربية لا يريدون النأي عن إدارة الدول، وهو إصرار يعود لسببين والله أعلم:

أولا الخوف من المساءلة القانونية اللاحقة بعد فقدانهم السيطرة، وهذه قد تحل بتوفر ضمانات تحت الطاولة مع المدنيين أنفسهم، وهؤلاء الاخيرين نفرد لهم مقال لاحق ان شاء الله لأنهم هم جزأ أساسي ورئيسي في مأزق هذه الفترة لأسباب كثيرة جدا.

ثانيا العساكر أفضل من ينفذ اجندات الاستعمار الحديث، فيرهنون موارد البلاد وخيراتها للخارج في سبيل بقاءهم في الحكم، وكل التجارب من حولنا تؤكد أن لا رؤية سياسية للعسكريين سوى الحفاظ على الحكم اطول فترة مهما كلف ذلك من مال واضاعة فرص وهدر للموارد، وهذا ما نشاهد مقدماته الان في الدكتاتورية الصاعدة لرئيس مجلس السيادة ونائبه من تشبث بالسلطة التشريفية لمجلس السيادة وتحويلها لسلطة تنفيذية قسرية، وتمكن تام من اقتصاد الدولة، وسعيهم الحثيث لخلق حاضنة سياسية جديدة مذعنة من الادارات الأهلية والطرق الصوفية وبعض رموز النظام البائد واتباعهم وواجهاتهم المكشوفة رغم ادعاءها الثورية والثورة. إن هذه المحاولة للسيطرة وجر البلاد بالفوضى وخلق سيولة أمنية غبية وغلق للموانئ بالشرق وتقسيم الحاضنة السياسية إلى قسمين، كلها آليات مستهلكة مرت علي ذاكرة هذا الشعب والمجازفة بتكرارها أمر محير.

-الدعم السريع، وقائده المثير للجدل نائب رئيس مجلس السيادة، هو بعامة وضع اشكالي في المشهد العام، ولا تزال صور جنوده وهم يفضون بوحشية مفرطة اعتصام القيادة العامة ماثلة في الضمير والوعي الشعبي أكثر من صوره وهو يوزع المساعدات العينية والنقدية على قطاعات الشعب المختلفة. عليه فالرجل لا يدرك أن طبيعة الأشياء لا تعمل وفقا لهواه لأن معه المال والسلاح، برغم خطورة وحيوية الامرين معا، لكن منطق الأشياء الذي لا يدركه الرجل ببساطة هو أن المال والسلاح كان بيد القذافي في ليبيا اكثر مما عنده بألف ضعف وزيادة كان القذافي يدفع للمرتزق الواحد في اليوم عشرة ألف دولار! وكان لدى مبارك وبن علي وآخرين أكثر مما عنده أضعاف كذلك وهم أكثر خبرة سياسية من الرجل بما لايقارن أساسا، المسألة ليست مال وسيارات دفع رباعي بقدر ما هي علم وفن وخبرة لا يتوفر عليها لا هو ولا مستشاريه من الفلول والشركات الاجنبية التي برزت مؤخرا في الدول الشمولية كعقل مفكر بدلا عن الديكتاتور الذي عنده كل شيء الا الفكرة، عليه فلو وفر الرجل ماله وجنوده وسلاحه وسأل عن الحل لأجابه التاريخ الحديث بما يلي:

اولا اما مصالحة وطنية (حقيقية) بينه والشعب وذلك عبر اعتذاره علنا عن جميع مناصبه السيادية والتنفيذية والخضوع طوعا للقضاء الحر والعادل. وهذا يبدو قاسيا على طبيعة الرجل الان وهو يبدو مسيطرا ومتنفذا حتى الان. لكنه خطوة في طريق الصواب والصواب مر وصعب.

ثانيا أن يقدم الرجل من تسببوا في مجزرة القيادة إلى القضاء ويدلي بشهادته أمام القضاء وهو الفيصل في قبولها او ردها. وسبق أن صرح الرجل أنه قد تم توريطه في جريمة فض الاعتصام.

ثالثا أن يتنازل الرجل عن قيادته لقواته ويوافق على حلها ودمجها في القوات المسلحة السودانية ويتم تتبيعها كلها لقائد واحد منتخب على الاقل داخل المؤسسة العسكرية وتخضع هذه القوات لقانون القوات المسلحة نفسه، لكن ان يظل كقوة موازية للجيش تماما كقوات حزب الله اللبنانية ودولة داخل دولة فهو وضع خاطئ سياسيا وأمنيا ولن يستمر طويلا حتى يتقابل الجيش وقواته في خاتمة الدوري ولابد. عندها لن ينفع الندم ولات حين مناص.

اخيرا، محاولات الرجل (لشراء) فئات من الشعب نسبة لوضعها المتردي ومحاولة خلق صورة ذهنية جديدة…هذه محاولات لو تنفع لنفعت سلفه المخلوع عمر البشير، فليتعظ الرجل ولا يرخي سمعه لتفاهات المستشارين، فهولاء الاخيرين حثالة اذا ما ساءت الاوضاع هربوا أو ارتموا في حضن السيد الجديد والشواهد أكثر من أن تحصى.

لكن بعامة نصيحة لله ولهذا الشعب، إن ملف الدعم السريع لا يصلح بحال علاجه بالقوة والهتافية والمثالية السياسية، فهو كقوة مليشيوية خاصة لا تخفى. وهو أيضا مجموعة ومكون قبلي له أيضا مراراته وظلماته في مناطقه الغربية وعانى وعانوا منه، وظَلم وظُلم، فهو لن يصلح ولن يصح ان يكون دائما الهدف النهائي للتسوية السياسية العامة بابعاده هكذا دون حسابات دقيقة حذرة. وأعلم يقينا أن هذه النقطة بالذات لن تعجب الكثيرين ولكن معذرة إلى ربكم والحق أحق أن يتبع.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى