مقالات

النور عادل يكتب : غباء اسلاموي فذ!

لم أجد في التاريخ السياسي الحديث للعالم العربي عامة، جماعة او حزب مال للعسكر ومالئهم ضد خصومه مثل الاسلامويين الاغبياء الحركيين.

أقل قارئ للتاريخ، يعرف جيدا أن المؤسسة العسكرية في الوطن العربي إنما هي أداة لقمع الشعوب، وتأديبها إن رفعت رأسها وطالبت بأن تعيش حرة ومحترمة وفق ارادتها هي لا ارادة البيادة وكيلة الاستعمار. لكن بكل أسف فإن التيار الحركي الإسلاموي، جماعة الإخوان وتياراتهم متناهية الصغر والتشظي، تيارات ترفع راية الإسلام وتبطن الميكافيلية والغباء الفذ.
خذ عندك من مصر إلى تونس إلى الجزائر إلى السودان الان، لم يخذل العساكر جماعة بقدر خذلانهم للاسلامويين.
فعبد الناصر بعد أن دانت له السلطة، انقلب على الإخوان بقوة فأعدم كبار قادتهم وزجهم في السجون ونكل بهم بدرجة تثير التقزز أن تراهم الان يغازلون العسكر مرارا وتكرارا.

عاد التاريخ مجددا وأعاد الجنرال عبدالفتاح السيسي الكرة فانقلب على الشرعية الدستورية، سجن رئيسها محمد مرسي، ومعه المرشد الذي ظن أن مصر تحكم من خلف مكتبه وبتدبيره. وسقطت مصر بكل يسر في يد العسكر مجددا والاخوان والحركيون بعد لم يفهموا الدرس.

في السودان جاء المفكر الترابي بالعقيد عمر البشير من احراش الجنوب إلى رئاسة الدولة، بنفس السذاجة القديمة المزمنة لهذه الجماعة البليدة معنى ومبنى، ما هي إلا ساعة من عمر التاريخ حتى زج البشير بالترابي في المعتقل وشكل لنفسه جماعة اسلاموية أمنية رأسمالية جشعة حد الجشع، ضالة، مضرة، نهبت العباد والبلاد بشراهة غول أسطوري يأكل كل خراف القرية.
مات الترابي وترك الغول يواصل الأكل والفساد في القرية (السودان) فتشظى الاسلاميين من بعده أيدي سبأ، ولكن هل تعلموا الدرس؟ هل اتعظوا من ثعلبية المنهج التوليتاري للمؤسسة العسكرية وكيلة الاستعمار والقوى الكبرى؟
أبدا، وكلا، وألف علامة تعجب ضعها أمامك، تابع فقط كتاباتهم وتصريحاتهم، ترى عجبا، تسمع هتافاتهم للجنرال عبدالفتاح البرهان تظنه أمير مؤمنين آخر! وأنه خلص البلاد من شر العلمانيين واليساريين! وهذا هو النصر المبين كله واوله وآخره. احتفالهم بحميدتي – تخيل- لدرجة اجلاسه في مقام المحاضرة في مسجد للدعوة السلفية بامبدة السبيل، فما كان من الرجل الا ان (ساطها سواطة الجن) والقوم ينصتون كأن فوق رؤوسهم الطير ام البندقية لا تعرف.

ببساطة شديدة العقلية الاسلاموية الحديثة اليوم، هي عقلية تآمرية بحتة، عقلية بعيدة كل البعد عن بدهيات الفطرة السوية، والعقل السليم، والمنطق البسيط، فرفض الظلم والبغي والحنث بالعهود والمواثيق هذه قيمة إنسانية عالمية اثبتها الإسلام قديما (اوفوا بالعهود)، وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا حَرَّمَ حلالًا أو شرطًا أَحَلَّ حرامًا) ، وقوله (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به). والادلة اكثر من أن تحصى، لكن هل يقرأ الاسلامويين شيئا ضد ايدولوجيتهم الصماء؟ اللهم لا يقرأون ولو قرأوا لا يفهمون، ولو فهموا لنكسوا على ما فهموا، فصنم الايدولوجيا عندهم أعز من طلب الحقيقة.

وليت أتباعهم ادعياء الحوار والثقافة والإطلاع لو يقرأون ما خطه ضابط المخابرات الجزائري المنشق محمد سمراوي في كتابه الصادر عن تنوير للنشر والإعلام بمصر المعنون ب(الاسلاميون والعسكر سنوات الدم في الجزائر) فالرجل شاهد على العصر، وكان من أدوات المنظومة العسكرية الجزائرية، وروى كيف أن الاستخبارات وكبار الجنرالات كانوا يلعبون بالجماعات الإسلامية وبمصير الدولة، وكيف انخدع التيار الإسلامي بهم.

وبعيدا عن رصد وتتبع تناقضاتهم الواضحة حول القضايا المركزية الكبرى كالتطبيع مع الكيان الصهيوني – مثلا- فلا يهمنا هنا أن نبكتهم ونشمت بهم لكن الهدف هو تعريف القاريء المحترم إلى طبيعة تكوين العقل الحركي الاسلاموي المعاصر، فهو عقل يقبل الازدواج في النظر والفتوى والرأي بكل سهولة ومثاله قضية التطبيع فهو يرفضها لو جاءت من مدني يخالفه الفكر، لكنه يمررها لو جاءت من عسكري يوافقه – جدلا-الفكر.

العقل الحركي المعاصر عقل تآمري مريض بأوهام السلطة والعظمة وخذ مثلا المكالمة الفضيحة لمحمد علي الجزولي، التي ملأت الاسافير مؤخرا، فالرجل لم يكن يدري أنه على الهواء مباشرة، فتحدث بلهجة الشامت والكائد عن إعداد العسكريين لملفات ضد حزب البعث. والرجل للمفارقة سجن في عهد كان العسكر فيه أهل السطوة ولكنهم شركاء مع آخرين ولا حاجة لهم بخدماته، وما أن انقلبوا على شركائهم حتى اطلقوه فبدلا عن أن يرفض الظلم والكيد الذي سجنوه به سابقا، اذا به يفرح على الهواء أن غيره سيشرب من نفس الكأس! وهذا لعمري لا يصدر الا من مريض نفسي يتلذذ بعذابه وعذاب الآخرين! والحمدلله الذي عافانا من هذه العفانة.
ونفس الرجل الجزولي كرهه الاسلامويين (السروريين) تحديدا وحاربوه ومنعوه منابرهم، وطعنوا في دينه وأخلاقه واليوم يرونه بطلا ومناضلا ويملؤون به حشودهم الباهتة. فالقوم ليسوا أصحاب مباديء بقدر ما هم طلاب سلطة واتباع كل جنرال. والمضحك المبكي أنهم يرون انفسهم الافهم والارسخ في الفضاء السياسي، المحير أنهم يرون علو كعبهم على السلفيين في التنظير السياسي، مع أن السلفيين أفضل منهم واكثر اتساقا مع مرجعياتهم الفقهية في باب السياسة الشرعية فهم أصحاب رأي واحد اوحد (طاعة ولي الأمر في المنشط والمكره)، لذا تفهم انسحابيتهم من الحياة السياسية في ضوء المنهج العلمي المتبع والمرضي عندهم. أما الحركيين فاكتفوا مؤخرا بانتظار دبابات العسكر ليعيدوا أمجاد الأمة الضائعة! ونفس هذه الدبابات هي من تخذلهم عبر التاريخ الحديث، لكنهم اذكياء طبعا ونحن لا نجاريهم في هذا الذكاء اللامحدود!!!

العقل الحركي الحديث عقل كسول في الجانب الفكري السياسي والعمل الحزبي الرشيد، فغاية حيلته التواثق مع العسكريين، والتودد إليهم وطلب رضاهم، وهم لا يتفقون في أدنى شكل من أشكال الاجتماع السياسي، فهم يكرهون بعضهم البعض، ولا يثقون الا في دوائرهم الخاصة وخاصة الخاصة منها، لذا ما أن يجتمعوا تحت راية جمعية او منظمة، او مركز، الا وتراهم ينشقون عن بعضهم البعض لمنظمات وجماعات تتبنى نفس الفكر لكنها اختلفت – لو- صدقوا مع أنفسهم بسبب المال وحب السيطرة والتسيد. ولا أريد أن اضرب المثال لأنني أعلم أن بعضهم سيختنق ولن يكمل المقال لأنني مثلت بشيوخه.

العقل الحركي المعاصر لا يقل جفاءا في الحقيقة عن صنوه الماركسي. وهذه المقارنة ليست لامساك العصا من النصف ولا لادعاء الحياد، وإنما لتسليط الضوء بوضوح على خطل مفهوم الايدولوجيا ايا كانت، فالماركسي الذي يتبنى التحليل المادي للتاريخ ويرفض أن يوسع ادوات التحليل ابعد عن فرية الصراع الطبقي، هو بنفس درجة التزمت والتطرف اللزج للاسلاموي الحركي الذي يحسب أن كل من خالف فكره ورأيه وافكاره وأفكار جماعته هو كافر وزنديق وإن صلى وصام وحج البيت الحرام. فالايدولوجي ضيق العطن، منخفض الافق بل لا يكاد أفقه يتجاوز أفق صبي مميز!

ان تأييد بعض التيارات الحركية للانقلاب العسكري الاخير في السودان، ولو كان تأييدا على استحياء، فهو ان دل على شيء فهو يدلل على أن المصيبة ليست في الموقف من الراهن بل المصيبة وام المصائب في الفكر والنظر، المصيبة الحقة في اختلال المبادئ الما قبل لهذه الجماعات، لذا حري بالعسكر أن يمدوا ارجلهم فوق تلك اللحى والعمائم ويقودونها حيث شاؤوا ويستخدمونها مناشف وشراشف ومناديل ثم عند ناصية المشوار يركلونهم إلى السجون والمعتقلات ليواصلوا غناء (غرباء) ولو انصفوا، فقط لمرة واحدة، لو انصفوا لغنوها وقتها (أغبياء).
إلى بقية عقلاء الاسلاميين وهم قلة صوتها ضعيف:
العسكر ما ناسكم وروا ناسكم المطرة صابة وين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى