مقالات

ايمن كبوش يكتب : “جيشنا”

قلت له: انا لست من حملة تلك المباخر التي يعبق دخانها بلسان: (معليش.. معليش.. ما عندنا جيش).. ولا ينبغي لي ان افعل ذلك ولكن، للاسف الشديد، استصغرت جدا ما يقوم به جيشنا الذي كان جنوده بالامس، في جنح الليل، يحركون الآليات الثقيلة ويستنفرون الجهد الوفير ويستهلكون الوقت لكي يغلقون الكباري بالحاويات، او يقطعون الطريق الذي يفضي الى الخرطوم.. (محل الرئيس بنوم والطيارة بتقوم) ..فقلت لنفسي، ساعتها، ليت هذا الجيش (القادر) استنفر هذه القدرة الى ما ينفع الناس ليغير به تلك الصورة الذهنية البائسة التي ارتسمت في عقول وقلوب معظم ابناء هذا الشعب الصابر.. ليتكم حركتم هذه الآليات لاصلاح اعطاب الطرق القومية، وقمتم بتجميل القبيح في حياتنا السودانية اليومية، ولن تعوزكم الامكانيات المادية والبشرية ولا سعة الخيال.. بدلا من الاستغراق التافه في هذه الاعمال الصغيرة التي تخصم كثيرا من هيبة الجيش ولا تضيف له شيئا.

اقول ما قلته عن تلك المشاهد التي تقلل من الهيبة واذكر تماما ما قاله لي في ذلك المساء الضحوك وهو يتحدث عن عبقرية جيشهم في تغيير المعالم فقال: (ان أغلب عوام الناس وغمارهم في دولتنا.. يفكرون ببطونهم ويقيسون أحوال البلد بحالتي “الشبع والجوع” .. لذلك أكثرهم يحنون الآن لعهد الرئيس المعزول “محمد حسني مبارك”.. لأنه باختصار شديد كان يصرف عليهم “من مجاميعو”.. السلع.. الدواء.. المحروقات.. الترفيه.. ويدعم لهم كل شيء ولكن ليس لسواد عيونهم.. بل لكي يناموا في العسل.. وتظل مصر “دولة راكعة” و “ما يتسمعلهاش صوت”.. وأضاف: الأمة التي تنام في العسل، في الغالب هي أمة غير منتجة وغير متطورة وليست لها رؤية واضحة أو هدف محدد بتخطيط محدد.. ولا يشغل بالها التعمير بقدر ما تشغلها “لقمة العيش” السهلة.. والكهرباء شبه المجانية.. والبراعة في الزوغان والاستهبال في دفع فاتورة المياه.. يقولون لن ندفع للحكومة.. “يخرب بيت الحكومة”.. هذا هو الشعب المصري في فترة ما قبل “عبد الفتاح السيسي” .. لا يريد أن يدفع شيئاً.. ولكن يريد أن يأخذ كل شيء بالمجان وان” يسرق الكحل من عيون الحكومة”، لذلك لا تستغرب، عزيزي الفاضل، إذا قدر لك أن تتجول في مساءات القاهرة ولا تتعجب لذلك السائق “الهتراش” الذي “يرغي” ويدعو لـ”خراب بيت السيسي”.. وهو من مقوده هذا وعربته تلك، يسير في شارع نظيف “خال من الدقداق” أو شمولية الحفر والمطبات.. ويستمتع بإنارة منتجة من الطاقة الشمسية.. “يفول التنك” كيفما شاء.. ومتى شاء.. يذهب إلى الصرافة ويحصل على العملة التي يريدها مزهواً بأن الجنيه المصري “قادر يوقف على طولو” أمام أعتى العملات والاقتصاديات في العالم.. ولكن.. هذا هو المثال الحي لنموذج من الشعب المصري الذي يشبه كل الشعوب العربية والإفريقية التي تريد كل شيء في مكانها بلا سعي أو حركة.. الشعب الذي لا يعجبه العجب واقتصاده ينمو بمعدل غير مسبوق في السنوات الأخيرة.. لا يحس بالسياحة ولا بالرفاهية التي تبعده عن مطاعم “دلع كرشك” و”عربية الكبدة” ولا غرو في ذلك ألم يقل الشاعر.. و”البعض تأسره البطون”.

فرددت عليه: اما نحن فليس لدينا تجربة قابلة للقياس إلا بذهنية ذلك السائق المصري الذي اعتاد أن يلعن الظلام بدلاً من أن يوقد شمعة.. إيقاد هذه الشمعة ينبغي أن يكون في إيجاد البدائل الموضوعية.. فمثلاً، عندنا، تراجعت حكومة حمدوك سريعاً من اتجاهها لرفع الدعم عن المحروقات وهذا يقودنا للسؤال.. هل وجدت الحكومة على نحو مفاجئ البدائل التي ستعالج رتوق الموازنة الجديدة أم أنها ستترك الأمور لحكم الظروف والبقاء طويلا في محطة الحديث عن النظام البائد وجدلية الأموال المنهوبة التي ستتم إعادتها بفرضية “شراء السمك وهو مازال في البحر” .. نعلم ما فعله النظام البائد فينا وفيكم يا سيدي ونعلم أكثر.. لذلك حدثني عن الحلول التي تبقيني ممسكاً على الجرح لكي أعيش ولا تحكي لي قصة السائق الذي لا يرى بلاده تتطور لأن التطور لا قيمة له إلا إذا كانت أنبوبة الغاز التي تدخل بيته بعشرة جنيهات لا غير.

اخيرا اقول.. ايها الجيش السوداني البطل.. ابحث عن تلك الافعال الكبيرة التي تشبه تلك المؤسسة العملاقة.. بدلا من الارهاق غير الخلاق في صناعة الاسلاك الشائكة والاكتفاء بنظرية الدفاع بالنظر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى