مقالات

ايمن كبوش : من بعد ما عزِّ المزار

يصادف السابع عشر من شهر يناير ذكرى رحيل الفنان الاستثنائي مصطفى سيد أحمد ..
التميُّز الخرافي لذاك الصوت … ونوعية الأشعار الغير مطروقة والتَفرُد المصاحب لأدائه جعلته أسطورة ستظل محفورة في عمق وجدان الشعب السوداني .. والشخصية المتميزة والكاريزما القوية أضفت له ألقا وتفردا بين أقرانه.. وكلما تمر السنون نفتقده أكثر … ولكن .. من بعد ما عزَّ المزار …
مصطفى … تميز بالوداعه والسلاسة في كل تحركاته وانفعالاته وإبداعاته .. ، وكان لأدبه الجم وفهمه الراقي وعمق شخصيته الأثر الكبير في رسم طريقٍ مختلف تماما عمَّا كان موجودا في الساحة .. غنى للوطن بتشكيلاته المختلفة .. فهو تارة الحبيبة القريبة وتارة الحبيبة النافرة ، وتارات أخر ما بين هذا وذاك …
حاول مستميتا فك طلاسم الزمن الفلاني وسبر أغوار مريم الأخرى ، ولكن خطواته ظلت سائرة ومندفعة بينما خطى السنين واقفات ولم تبارح لها مكانا ؟ وقَدُر ما نمشي في سور الزمن خطوات … نلاقي خُطى السنين واقفات …وهذا هو حالنا في سودان العزة والشموخ إسما ومعنىً ، ولكن ! ويالها من لكن ….
آلمته الغربة البعيدة والطويلة عن معشوقه وعشقه السرمدي الوطن العزيز ، والذي كان يرنو ويتوق ليراه متقدما ومتطلعا للشموخ ، وإنسانه البسيط ذو النفس الأبية قد تحرر من أسر النفوذ والوصاية والتسلط.. وأطفاله ينعمون بالفرحة والبهجة التي وُئدت وهم في رحم الغيب … ظلَّ منتظرا حصانه الذي تلاشت قواه ولم يعد قادرا على الصهيل فأطلق عنانه للريح دونما هدىً وفاقدا بوصلة الإتجاهات التي يعرفها وخَبِرها فاختلطت أمامه المفاهيم ما بين شعارات برَّاقة مرفوعة وممارسات يندى لها الجبين … وللحديث بقية … وقد ظلت الساقية تدور بنفس النسق رغم طول فترة غيابه عنَّا !! …
كانت تجمعه ألفة حميمة مع نادي الشعلة بسنار الذي ظلَّ يُمثِّل منارة ثقافية في بلادنا في ظاهرة استثنائية وسط أنديتنا الرياضية التي لا تهتم كثيرا بهذه الجوانب ؛ فكان يحرص المرحوم الأستاذ مصطفى على تدشين بعض أغانيه الرائعة من على خشبة مسرح نادي الشعلة وأذكر منها رائعته مريم الأخرى … كما لا ننسى جلسات الاستماع الراقية التي كان يحرص على إقامتها هنالك ما بين الحين والآخر ‘ فانتشرت شرائط الكاسيت في تلكم الأيام … شعلة 1 وشعلة 2 وهلمّ جرا والتي وثق لها أخونا المبدع المرحوم فيصل كامل صاحب فيديو واستريو فيصل بسنار
لذلك يحرص هذا النادي المتميز على إقامة الذكرى السنوية على رحيل ذلك الهرم وبصورة منتظمة في تظاهرة ثقافية بحجم العملاق الراحل حيث يكون حضورا بعض شعرائه المميزين ومنهم الأستاذ أزهري محمد علي الذي ظلَّت تجمعه علاقة ممتدة ومتينة بهذا النادي الاستثنائي وأحيانا الاساتذة مدني النخلي ويحي فضل الله ……الله يطراهم بالخير…
ورغم أن معظم الشباب تمت ولادتهم بعد رحيل مصطفى ، ولكنه ظل بالنسبة لهم رمزا متلازما مع كل معاني الانتماء للوطن بتفاصيلة المختلفة … شباب بطاقات جبَّارة تبحث عمَّن يفجرها ، ولكن وُئدت وقُمعت فالتفت وتسربلت بكل ما تملك من إمكانيات حول من ينفِّس عنها ويعطيها الأمل بأن بهجة الحياه مازالت ماثلة وصورة الوطن المثالي تتراءى لهم وإن كانت متواريه .. … هذا الحب الجارف كان من الممكن أن يكون رأس الرمح في صنع إنجازات وتغيير واقع مُحبِط ومُحبَط … فكان لهم بمثابة زمن البهجة والفرح الخرافي البمسح أحزان السنين ويقش دمعاتها الحزينة .. لأن هذه الثورة العظيمة حملها الراحل فكرا ومعنى ومشروعا استراتيجيا … آمل أننا نكون في اشواطه الأخيرة لتحقيق حلم الأطفال يا فاطنه بغنوا … والأفراح لابد من ترجع ….وسترجع رغم السجن وبيت أشباح…وترجع زي هطول المطر البغسل أرصفة الزمن الفلاني .. وينوِّر ظلمة ليالينا الطويلة .
والان يعلن هذا الجيل رحلة استعادة الوطن المسلوب ورغم حجم التضحيات الباهظ ثمنه، ولكنها رحلة يسيرها ويمضي فيها كل صاحب فطرة سليمة في رحاب الوطن الغالي لأننا تعاهدنا ألا نرجع من منتصف الطريق وقدامنا الصباح…
أخيرا أقول بأنه ورغم مرور السنون على رحيل العملاق مصطفى ولكنه ظل ويظل يسجل حضورا متعاظما في الوجدان ولمعان يزداد بريقا يوما بعد يوم …
اللهمّ أرحمه وأجره من عذاب السعير .. وزد في حسناته وتجاوز عن سيئاته.. وآمنه من يوم الوعيد … إنك رحيم ودود .. يا أرحم الراحمين .. اللهمّ إنه في حاجة إلى رحمتك وأنت الغني في غنى من عذابه فارحمه واشمله بعطفك وكرمك …. آميييييييين …

بروفيسور/ مجدي محمود
رئيس رابطة اهل الهلال بدبي والامارات الشمالية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى