حوارات سياسية

صديق الشهيد محمد يوسف : فقدنا رجل أحب السُّودان كحبه لأمه

الشهيد محمد يوسف ـــ من يضمد الوطن الجريح ؟!


الشهيد محمد يوسف: دماء الشباب غالية ولا تصالح مع الموت
صديقه : فقدنا رجل أحب السُّودان كحبه لأمه


تنسيقية أمدرمان القديمة: سار في طرقاتها طفلاً و أحبها رجلاً وارتقت روحه من أجلها شهيداً

 

نقلا عن “الجريدة”

لم يكن الشهيد ” محمد يوسف ” يعلم وهو يُخِير متابعيه على منصته الشخصية بـ(فيسبوك) بين كتابة ما يود قوله في منشور او نقله (لايف) فهو وفقًا لما ذكره موضوع مُهم وظل يحتل مساحة واسعة في ذهنه منذ المواكب التي جابت العاصمة المثلثة مؤخرًا وخلفت العشرات من الشهداء ؛ شباب كما الورد هكذا وصفهم، لم يكن يعلم إنه يقدم وصيته أو فلنقل خطبته الأخيرة.

شارع الحوادث

يُعد الشهيد محمد يوسف المعروف بين رفاقه بـ”جوني” احد الاعضاء الفاعلين في مبادرة شارع الحوادث وهي مبادرة طوعية تقوم بمساعدات انسانية بدأت كمبادرة من مجموعة شباب واعتمدت على شبكات التواصل الاجتماعي في جمع التبرعات لاعانة المرضى. وله المئات من القصص التي غرسها بمحبته للخير وللغير في قلوب مرضى ما ذاقوا العافية لولا فضل الله وساعده. ومع اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة انخرط محمد يوسف اسماعيل في العمل الثوري عضوًا في تنسيقية لجان مقاومة أم درمان القديمة التي أصدرت عقب استشهاده بيان عددت مآثره.

رصاصة في الصدر

“سار في طرقاتها طفلاً و أحبها رجلاً وارتقت روحه من أجلها شهيداً” ؛ بهذه الكلمات نعت تنسيقية لجان مقاومة أم درمان القديمة، الشهيد محمد يوسف اسماعيل ، الذي ارتقت روحه في مليونية الـ30 من يناير 2022 ، اثر اصابته بعيار ناري في الصدر. يقول صديقه لـ(الجريدة): كان محمد يوسف عدواً للعنف ، يكرهه ويعمل ما بوسعه لمجابهته بشتى السبل ، جل حديثه معنا وصايا ، أكثرها ترديداً ما تسهلوا اعظم مصائب الدنيا ، فالموت مصيبة ، وعنده رهبة ، والروح غالية فلا تبخسوها. كنت ارى ملامح الحزن في وجهه عقب تفشي نبأ استشهاد احد الثوار وإن كان لا يعرفه ولا تجمع بينهما صِلة، كان دائماً ما يقول وردة أخرى سقطت ، فقدنا يد أخرى للبناء ، وكسب الانقلابيون صفاً خالياً من أحد الثوار.
ويضيف: فكرة عدم التصالح مع الموت التي تحدث عنها في (الفيديو) المتداول بكثافة هي ما يؤمن بِه وكأنه كان يشعر بدنو أجله فقرر ان يسكب كل مافي ذهنه ويمضي. باستشهاد محمد يوسف فقدنا نحن الثُوار رجل حكيم ، يفوق فكره وتأنيه وقوة شخصيته عمره بكثير ، ونحن معه كنا نشعر بأننا نجلس مع رجل يكبرنا سنًا وفي أحيان كثيرة ما نمازحه قائلين ما “تكتر وصاياك”.ويختم حديثه قائلاً : هذه البلاد فقدت رجل احبها كحبه لأمه ولم يبخل عليها بشيء منذ عمله في شارع الحوادث مقدمًا طاقته القصوى ، ساعات يومه ، وكل مايملك من “قِرش” وأخيرًا منحها عمره كاملاً ودماء هو أكثر وأول من دعا للحفاظ عليها لا إراقتها.

لا تصالح مع الموت

هذه هي خارطة الطريق التي رسمها الفتى المٌبتسم ومضى يقول في آخر وصاياه التي أرسلها عبر صفحته الشخصية بـ”فيسوك” للثوار إن الموت فاجعة لا يجب التصالح معها،لا يجب استقباله كزائر معهود وكأن الدماء السودانية باهظة الثمن اصبحت لاتساوي “جناح بعوضة”.
ويمضي الشهيد محمد يوسف فيما يُشبه خُطبة الوداع قائلاً : لفت انتباهي خلال متابعتي لما يكتبه الشباب والشابات الثائرين ضد الانقلاب العسكري الذي قاده القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في الـ25 من اكتوبر الماضي وما تلاه من اجراءات قمعية تسببت في ارتقاء 96 شهيداً ـ لم يكن هو من بينهم حينها ـ ، لاحظت أن ما تخطه اياديهم كمنشورات بين فينة وأخرى جميعها تشجع ثقافة الموت سُمبلة وتدعم فكرة كلنا مشروع شهيد. ويتابع مخاطبًا الثوار: هناك من يخرج من بيته وكل مايدور في ذهنه انه خرج من منزله ليموت ويُردد بكل ما يختلج بداخله من مشاعر حزن وغضب وخوف “ياخوانا الموت ما نتصالح معاه ليه تبقى مشروع شهيد ونحن محتاجين ليك معانا في الميدان”. يرى الشهيد محمد يوسف الذي عُرف بروحه الطيبة وثقافة التسامح التي ظل طوال عمله في المشروع الخيري الكبير “شارع الحوادث” يروج لها بتصرفاته ومعاملته الحسنة للجميع وإن كان هناك من يضمر له العداء، عُرف بابتسامته العريضة التي تعتلي وجه وهو يهم لاستقبالك وتوديعك ويا”زول ما تشيل هم ، وخليها على الله” اضافة لتمسكه باداء الصلاة في مواعيدها فيقول مناديًا رفاقه إليها “ارح نقدما”.
يرى الشاب المتمسك بالحياة ، بالأمل ، والاحلام الكبيرة الخاص منها تنفيذ مشروع خيري كبير يستوعب الاطفال فاقدي السند والذين لا مأوى لهم والعام منها في أن ينعم السودان الذي أحبه، أحب أرضه ونيله وصوت محمود عبدالعزيز الذي يأتيه من بعيد وهو يبحث بين صيدليات “شارع الحوادث” الشهير بأم درمان عن دواء حاملاً فاتورته بيده ، لسيدة أو رجل لا تربطه بهم علاقة رحم ؛ يأتيه من بعيد ” يا الصابرين على الجمر … يا النايمين بدون تمرة “. يرى أن كل شهيد ترتقي روحه ، الشارع الذي يخوض ثورته السلمية أحوج مايكون إليه، وأن النظام الذي اعتلى سدة الحكم بالقوة لن يتزحزح بموت الشباب مهما ارتفع العدد وانما بالمحافظة قدر الامكان على الانفس ومجابهته مستدلاً بقوله :” ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة “.
يقول الشهيد محمد يوسف إن مايدعو إليه ليس مخافة الموت أو جبن فالشعب السوداني واجه الموت بكل بسالة منذ خروجه إلى الشوارع واسقاطه الرئيس المخلوع عمر البشير في 2019 وحتى الآن وهو يجابه الانقلاب على الحكم المدني وإنما رفض قاطع للتعامل مع الموت والدماء الشابة التي تزهق في الشوارع وكأن شاه ذبحت والسلام أمر معتاد. يضيف في الفيديو الذي اطلعت عليه (الجريدة): نُريد ان نحمي وندافع عن هذا الوطن مع بعض لا أم يتحرق حشاها على جناها ولا صاحب يتألم من موت صاحبه. ويتابع : أصبحنا نتلقى نبأ استشهاد عزيز لدينا بتقبل وخنوع ونسأل عقب انتهاء كل موكب ” اها المات منو؟!”، لم يكن يعلم أنه الشهيد الذي ستتناقله الأسافير بوجع وألم كبير بدا واضحًا في تشييعه المهيب.

تشييع مهيب

مساء الـ30 من يناير،شيعت مدينة ام درمان ابنها وأحد ركائز تنسيقية مقاومتها في موكب مُهيب يُشبه مهابة الموت التي دائمًا ما ظل يرددها محمد يوسف، خرجوا ليقولوا له وهو في طريقه إلى مرقده الأخير، إن موت الشباب وموتك وإن كان من اجل الوطن فإنه موجع وليس بالأمر السهل البسيط.

موكب إلى أم الشهيد

سيرت تنسيقية لجان مقاومة كرري بمدينة ام درمان،(المهدية والثوراث)، أمس ” الاثنين ” وفي تمام الساعة الخامسة مساءً ، موكب تحرك من محطة (شقلبان) إلى منزل أسرة الشهيد محمد يوسف بـ(ود نوباوي) أم درمان . ووجددت التنسيقية عهدها بالشهداء الأبرار الأماجد في طريق النضال من أجل تحقيق الغايات الكبرى للثورة المنصورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى