تقارير سياسية

موكب الأباء والأمهات .. رسائل من جيل التضحيات إلى جيل البطولات

* والدة ثائر مُشيرة لأبنها وهي تحمل علم السُّودان: “الولد ده علمني يعني شنو حب البلد من أول وجديد”!!

* سيدة: وصيتي لهذا الجيل وأنا على يقين بأنه قادر على الحِفاظ عليها “خلوا بالكم على الوطن والقضية”!!

* أقول للشباب الذين فقدوا رفاقهم وللأمهات والأباء الذين فقدوا فلذات اكبادهم، الثمن الذي قُدِم نحن وحدنا كأمهات نشعر بفداحته!!

رصد: سلمى عبدالعزيز / نقلا عن صحيفة الجريدة

امتلأت ساحة شارع الستين حتى “لفة جوبا” الشهيرة أمس بثُوار من جيل آخر، أمهات وآباء على نقيض ما يحدث تعلموا من ابنائهم الصغار النضال وحُب الوطن بطريقتهم الخاصة وحلموا معهم …وبعضهم يشاركهم الشوارع والهُتاف للمرة الأولى… رسائل عديدة كانت بالأمس من جيل “التضحيات” إلى جيل ”البطولات”.

الرسالة الأولى: “نحن معاكم“

نعتذر لأننا لم نتمكن من أن نكون معكم منذ بداية الثورة مطلع العام 2019، كانت نظرتنا مختلفة بعض الشيء فنحن جيل ملأ الرصاص الذي ابتدرت به الإنقاذ حكمها (بالخوف).
تقول والدة الثائر مصطفى الجاش السيدة نهى علي وهي تحمل علم السُّودان في يدها تلوح بِه حينًا وتشد عضض شاب أو شابة مروا من أمامها أحايين أخرى.
تقول لـ(الجريدة): الولد ده علمني يعني شنو حب البلد من أول وجديد، شفتي شعره المفلفل ده ـ تضع يدها عليه وتضحك ـ طلع أشجع من الأسد. تُؤكد السيدة “نهى” إنها وبدافع الخوف اولاً سيما عقب تزايد قمع السلطات الأمنية للمواكب التي خرجت بعد انقلاب الـ25 من اكتوبر ظلت ترفض مستخدمة كافة السبل مشاركة ابنها ولكنها اليوم خرجت عن قناعة تامة بأن ما يقوم به ابنها وجيله يُشكل محطة فارقة في تاريخ الدولة السُّودانية. هذا الجيل تقول يصنع بيده تاريخه ومستقبله وقد اثبت بكل ما قدمه من تضحيات إنه لا يشبه غيره “مابشبهونا” ولا يشبهون أحد إنهم يشبهون انفسهم فقط، جيل فريد متميز ونحن لا نملك سوى أن نكون معهم وبجانبهم فقط.

*الرسالة التانية: ” خلوا بالكم على البلد“

قدمتُ من منطقة “الديم” وعلى الرغم من بعد المسافة ومعاناتها من ألم المفاصل رفضت أن تستقل “عربة” تساعدها ولو قليلاً في طي مسافة شارع الستين . أرادت مشاركة الثُوار كافة تفاصيلهم، مشاهدتهم وهُم يهتفون وترديد بعضًا من اجزاء لكثرة ترديد ابنها لها حفظتها. تقول السيدة سعيدة عبدالحي ـ ربة منزل وأم ـ لـ(الجريدة) : عندي وصية واحدة فقط أُريد ارسالها لهذا الجيل وأنا على يقين بأنه قادر على الحِفاظ عليها “خلوا بالكم على الوطن والقضية”. وتضيف: هذه الثورة التي مهرتموها بدمائكم العزيزة علينا حافظوا عليها بالسلمية حتى بلوغ الغاية ونحن على ثقة بأن النصر قادم بإذن الله، نراه قريبًا، ويراه الذين اعتادوا اجتثاث أحلام هذا الشعب على مر الحقب والتاريخ بعيدًا.
تقول السيدة “سعاد” أود الترحم أولاً وقبل كل شيء على شهداء هذه الثورة منذ انطلاقتها في النسخة الأولى وحتى قُبيل ساعات حيث ارتقى شاب صغير في السن ظهر هذا اليوم خلال مشاركته في المليونية السابقة. نقول لهؤلاء الشباب الذين فقدوا رفاقهم وللأمهات والأباء الذين فقدوا فلذات اكبادهم، هذا الثمن النفيس الذي قُدِم نحن وحدنا كأمهات نشعر بفداحته. لا تملك الأم أكثر من فلذة كبدها لتقدمه، لا يوجد شيء في هذه الدنيا أغلى من ابنائنا. وتتابع لـ(الجريدة): نعتذر لأننا تركنا على عاتق هذا الجيل حِمل ثقيل للغاية ولم نستطع للخروج والمشاركة في المواكب بسبب “المرض” وعامل السن أيضًا ولكننا دائماً معهم بقلوبنا وبالدعاء.

الرسالة الثالثة: “عملتوا الما قدرنا نعملوا منذ 30 عامًا

هذا ما ابتدرت به السيدة خالدة عوض حديثها لـ(الجريدة) واستمرت بقولها: منذ الـ30 عامًا الماضية لم اشاهد السُّودان بهذا الزخم الثوري الذي يعيشه الآن في كافة انحائه، في الولايات وشوارع العاصمة الخرطوم. كُنتُ في ولاية الجزيرة قبيل أسابيع وتحديدًا في حاضرتها “ود مدني” اندهشت وأنا ارى واحدة من أكثر المدن هدوءاً تخرج بأعداد ضخمة في مواكب حاشدة. وقد كانت رسالة قوية لمن يقولون أن الثورة في العاصمة فقط .
تقول وهي تنظر لمجموعة من الشباب يحملون لافتات للعديد من الشهداء على رأسهم شهيد مدينة “الحصاحيصا” الشهيد مضوي ضياء الدين، الشهيد ده من مدني، جاء منها فقط للمشاركة في المواكب، هل يوجد عزيمة وتصميم أكتر من كده؟ تتساءل وتواصل حديثها: أنا أم لـ(3) صبيان جميعهم يُشاركون في المواكب وجميعهم تعلمت منهم بدلاً عن تعليمهم حُب هذا الوطن، السُّودان في أعيننا نحن الأمهات قبل الثورة وبعدها أختلف كثيًرا، سيما أمهات الشهداء، اعتقد أنهن الآن ينظرن إليه بأنه الأرض التي تحتضن جسد ابنائهم، ونحن محل أولادنا قاعدين، أحياء كانوا أم شهداء، بنقعد“.

الرسالة الأخيرة: “رفعتو راسنا“

يقول العم صالح محمد لـ(الجريدة) : نحن كأباء خرجنا في بداية الأمر إلى الشوارع رفضًا لحكم المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس المعزول عمر حسن أحمد البشير ثم رفضًا للإنقلاب الذي قادته لجنته الأمنية بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ولكننا الأن وبعد القمع الذي لايمكن وصفه سوى بالوحشي في مواجهة ابنائنا وماحدث من قتل ممنهج في حقهم واعتقال لفترات تمتد لـ(30) يومًا دون السماح لأنا برؤيتهم الاطمئنان عليهم، وتلفيق تهم جزافية كما حدث في للقاصر محمد أدم “توباك”، وكل ذلك جعلنا الآن ورغم ما نعاني به من مرض نقف معهم صفًا واحدًا .
ويتابع : كلما جلستُ برفقة أحد ابنائي أو بناتي محاوراً لهم وهي محاولة لمعرفة وجهة نظرهم فيما يدور ويحدث في السودان بل والعالم بأسره غلبوني بالحجة والمنطق، حقيقة أنا فخور للغاية بهذا الجيل بأكمله، بوعيه وقدرته على الصبر والتحمل وأنا على قناعة بأنهم قادرين على تحقيق ما يريدون والوصول بهذه الثورة إلى بر الأمان . لا أملك سوى أن أقول لهم : “رفعتو راسنا“.

الشارع حي:

اعتلت المنصة سيدة كان يبدوا واضحًا عليها أنها تخوض معركة وإن كانت مختلفة بعض الشيء، هذه المرة لأجل ابنها، السيدة نضال يعقوب والدة المعتقل منذ قُرابة الـشهرين ونيف محمد أدم الشهير بـ(توباك) ـ أحد المتهمين بقتل العميد شرطة بريمة حماد . وقفت في المنتصف تمامًا وخاطبت شباب جُلهم يعرفون ابنها وأخرين عرفوه فيما بعد .
قالت بصوت مبحوح وملامح تعبة : ” تعرض ابني محمد لكل أشكال التعذيب ولكنني على يقين بأن الفرج قريب وهذه الشوارع لن تخون”.أمّا والده الذي خاض ابنه البِكر حربًا سابقة لرفضه كالكثير من الأباء طريقه الثوري، السيد أدم أرباب وقف على المنصة قائلاً: في أول زيارة سمحت بها السلطات للأسرة لم يسأل توباك عني أو والدته بل سأل عن نبض الشارع والثورة هل خمدت نيرانها ؟! فقلتُ له بأن الشارع حيّ وأصحابك يهتفون باسمك في المواكب.

ألوان الطيف

شهد الموكب الذي خُصص للآباء والأمهات تحت لافتة “كلنا معاكم” مُشاركة واسعة من عدد من رموز حكومة رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك السابقة ومن بينهم مستشاره الإعلامي فيصل محمد صالح وهُناك ايضًا عضو مجلس السيادة المستقيلة د.عائشة موسى، إضافة للشاعر الثوري أزهر محمد علي والقيادي بالحركة الشعبية قطاع الشمال محمد يوسف المصطفى إضافة للإعلامية لمياء متوكل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى