مجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب : حول تصريحات قوى الحرية والتغيير في مؤتمرها الصحفي

تابع جميع الناشطين والمراقبين السياسيين الإفادات التي قدمتها قوى الحرية والتغيير عبر مؤتمرها الصحفي والتي لم تأت فيها بجديد كعادتها، ولعله من نافلة القول بأن القوى السياسية جمعاء وقوى الحرية والتغيير بشكل خاص تحتاج لإعادة ترتيب نفسها وتقديم قيادات وخطاب وطريقة تفكير وممارسة جديدة تتواكب من حركة الشارع وتنظيم الجماهير الذي يبدو أنه يسبقها بسنين ضوئية.

نعم صدقت قوى الحرية والتغيير في معظم ما ذهبت اليه وصرحت به في مؤتمرها الصحفي، ولكن هذا الخطاب قد تم تناوله عدة مرات وبوسائل عديدة عبر الميديا المقرؤة والمسموعة والمشاهدة، وتم نقاشه باستفاضة من كنداكات وثوار السودان ولجان المقاومة وأصبح واقعا وقناعة لدى الغالبية العظمى من جماهير شعبنا في مختلف الأصقاع داخل وخارج السودان، كما أن جميع المهتمين بالشأن السوداني من بعثات اممية و دبلوماسية و إعلام قد تناولت أوضاع البلاد الإقتصادية وتراجع الحريات والقمع والإنتهاكات الإنسانية التي يمارسها الإنقلابيون في عديد من المحافل الرسمية وشبه الرسمية، وليس في الأمر جديد.

إذن ما هو الهدف من إعادة هذه التصريحات وترديدها في هذا التوقيت بالذات؟!، وهل للأمر علاقة بتحسين الموقف السياسي لقوى الحرية والتغيير والمرتبط بشكل وثيق بطموحها المشروع في العودة لصدارة المشهد السياسي وتأكيد جاهزيتها للحكم مرة أخرى عقب سقوط الإنقلاب الذي بات وشيكا لا محالة.

هذا الطموح مشروع لأى قوى أو تحالف سياسي وطني، ولكنه أيضا مشروع لمن هو غيرهم، وهذه المشروعية مشروطة بقبول ودعم الشارع السوداني وخاصة قواه الثورية والتي تقف في مقدمتها وعلى رأسها لجان المقاومة الجغرافية.

وفي ظني ان الهدف الأساسي لهذا الخطاب يكمن فقط في نقطتين لا ثالث لهما:
اولا: إعادة إنتاج وترويج قوى الحرية والتغيير مرة أخرى للمجتمع الدولي وتحسين شروطها وموقفها التفاوضي غير المباشر الذي ترعاه البعثة الأممية خاصة إذا تمت قراءة هذه الخطاب مقرونا بخطاب السيد فولكر بيرتس في مجلس الأمن حول الأوضاع السياسية والأمنية والإنتهاكات الإنسانية للإنقلاب بالسودان.
ثانيا: إعادة تسويق فكرة وحدة قوى الثورة والإشارة إلى أن ذلك لا يعني أن قوى الحرية والتغيير هي التي تقود وإنما يعني وجود قيادة موحدة، وبالطبع فان قوى الحرية والتغيير ستكون جزءا من هذه القيادة الموحدة المفترضة.

ان الهدف في اعتباري ليس وحدة قوى الثورة في حقيقته، فالمتابع بحياد وتجرد لمجريات الأحداث منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر وحتى يومنا هذا سيدرك دون مجال للشك بأن قوى الثورة موحدة بالفعل في فعلها الثوري والنضالي من أجل دحر الانقلاب، وأن لجان المقاومة تقود الشارع بالفعل وبالتضحيات فعلا لا قولا، اذن إلى ماذا تهدف قوى الحرية والتغيير من خلال إعادة ترويج وتسويق شعار او مشروع وحدة قوى الثورة؟!

في رأيي المتواضع فإننا بالعودة للوراء قليلا، وبتحليل تجربة قوى الحرية والتغيير قبل وعقب خروج الحزب الشيوعي منها، هذه التجربة وتداعياتها إزاء تجمع المهنيين السودانيين والذي كان يتمتع حينها بقبول وثقة شعبية كبيرة جدا، تعتبر مؤشر جازم الدلالة على ما تحاول قوى الحرية والتغيير الوصول اليه الآن عبر هذا الشعار ” وحدة قوى الثورة “.

أؤكد في رأيي ان من حق قوى الحرية والتغيير ان تتخذ ما تراه مناسبا من التكتيكات السياسية للعودة التأثير مرة أخرى على الواقع السياسي ولكن عليها ان تعي بأن لا إمتيازات يملكه البعض دونا عن الآخرين الفاعلين في هذا الواقع، وبالتالي فإن الإستخدام المتكرر لنفس الأدوات والأساليب السياسية القديمة ما عادت تجدي في واقع اليوم خاصة بوجود قوى منتجة وفاعلة جديدة ووجود تغيير جذري وعميق في أدوات وعلاقات الانتاج في واقع الثورة اليوم، فهذه الثورة وهذه القوى الحديثة مختلفة كليا وجذريا عن تلك التي كانت في ثورة أكتوبر ٦٤ او انتفاضة ابريل ٨٥ او حتى محددات وواقع ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة.

ولقد قالت قوى الثورة التي تمثلها وتقودها تنسيقيات لجان المقاومة في مختلف مناطق السودان قولها عبر مواثيقها المختلفة. هذه المواثيق التي تمثل الآن خط الثورة والتغيير الحقيقي والجذري فأين هي من خطابكم وتقديراتكم السياسية المتأرجحة منذ فجر هذا الانقلاب وحتى اليوم؟!.

تحتاج قوى الحرية والتغيير ومجمل القوى السياسية والاجتماعية للاعتراف بمتغيرات الواقع الوطني ودراسة كيفية التعامل معها وفق رؤى عملية وقابلة للتنفيذ، كما تحتاج الي التنازل عن إهتمامها بتحصيل العديد من الإمتيازات التي تحجب عنها الرؤية السليمة، وأن تعي بأن هناك شفافية مطلوبة منها حول مجمل التخلقات التي صاحبت ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة والحكم الإنتقالي التي شاركت فيه، و إن تأخر تقييم هذه التجربة حتى الآن هو مؤشر على عدم جدية وجاهزية قوى الحرية والتغيير لتوسيع المشاركة السياسية أو الخضوع لضغط وتأثير الرأي العام السوداني فعن اي خدام للشعب تتحدثون، واي صناديق إنتخابات تتطلعون إليها وأنتم ما زلتم لا تملكوننا كشعب الحقائق سواء إبان فترة الحكم الانتقالي أو عقب الانقلاب الان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى