القصة ومافيها

النور عادل يكتب : ضد عودة النظام العام

قبل فترة حاول واحد مريض أنه يبتز المغنية الأسترالية الشهيرة (سيا) بنشر صور لها وهي عارية مالم تدفع له مبلغ مالي.. فقامت المسلطة الفاهمة الدنيا التافهة دي ماشة كيف كسرت له الدش في يده ونشرت صورتها بنفسها على تويتر وكتبت:
“يبدو أن شخصًا ما يحاول بيع صور عارية لي لجماهيري، وفر أموالك ها هي مجانًا، كل يوم هو عيد الميلاد”

وصادقة لما قالت في رائعتها Unstoppable :

I don’t need batteries to play
I’m so confident

بعجبني جدا تصالح الخواجات مع نفسهم لدرجة الغرور أحيانا. حاجة كويسة وصحية أنك تكون فاهم نفسك وواثق منها، مش تقعد تنتظر بني آدم يوريك ليها أو يشرح لك انت منو او شنو، الناس ديل ما سبقونا بطلعوهم القمر أو صناعة الرقائق الإلكترونية أو شان اكتشفوا الذرة والمعالجات الضخمة السريعة.. أبدا الناس ديل زينا لحم ودم وعصب وعاشوا سنوات من الحروب الداخلية كادت تقضي على نسلهم كلية. لكن الناس ديل اكتشفوا أول ما اكتشفوا، نفسهم، ايوة اكتشفوا نفسهم بعمق وهدوء وبجنون مرات. اعطوا الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع والقانون حقهم.. شان كده ما عندهم فروقات تذكر بين مدني وعسكري، مسؤول ومواطن، الكل عندهم مسؤول ومحاسب. عندهم جيوش جبارة وأسلحة دمار شامل لكن عندهم وعي إنساني بما عندهم وبقدراتهم وعي بأهمية التوازن في الكون شان يستمر، لولا وعيهم الإنساني والمادي ده نفسه كان العالم الان عبارة عن خرابة بما عندهم من أسلحة فتاكة. عندهم رقابة شديدة على السلطة خاصة الإنكليز، عندهم عناد ورفض قوي ضد التسلط وضد أدنى بادرة استبداد أو استهبال. المهم عندهم سلبياتهم وايجابياتهم وهم عارفين الحاجة دي كويس، بس نحن الماعارفين للأسف نفسنا وما واعين بذاتنا وكيانا لدرجة فينا ناس منتظرين نظام عام يربي ليهم أهلهم ويلم عرضهم. لدرجة فينا كوادر ثورية كل يوم بتتساقط وتصطف مع الأغبياء الإنقلابيين شان ما تتفضح أو خايفة من حقيقة أنها أقل من قامة الشعار (الثورة مستمرة).
وعادي بالنسبة لي على الاقل لو مرق الان حمدوك أو وجدي صالح برتبة عقيد جهاز أمن حركة إسلامية امن شعبي اخو مسلم… عادي فانا لا اعبدهم ولا قداسة لأحد غير الشارع والشهداء والأمل بالتغيير لوطننا. يسقط من يسقط ويعلو من يعلو الشارع يشتغل شغله بس.
اما بالنسبة للفرحين بعودة ما يسمى النظام العام وهو جدير بأن يسمى (الظلام العام) فمؤسف أن افقهم لايسمح لهم وهم يعددون ايجابياته البائسة… بالتدبر والتفكر في سلبيات هذه الفكرة والكيان القمعي للظلان العام، فهو السبب الأساسي لنشوء عوالم سودانية موازية وسرية للرذيلة والخمر والمخدرات. نعم فأن تتدخل الدولة ضد حرية الفرد في أن يكون على طبيعته المعهودة وتحدد له تفاصيل يومه ولبسه وعلاقته مع ربه فهذا مدعاة لاعطاء شعور بالتضامن لفئة من الناس أن تتحد وتفعل ما تريد وتشجع بعضها للفعل المنكر لأن الدولة باتت في مواجهتهم  بفكرة عليلة تتخفى وراء مصطلح كبير ك(النظام العام).
في المملكة العربية السعودية نموذج آخر للدرس والبحث وهو نموذج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعد سنين من التجربة آمنت القيادة السعودية بعدم جدوى التعدي على الناس والمجتمع وفرض رؤية أخلاقية قد لا تستطيع فرضها على الجميع، وقد رأت نتائجها في ظهور بؤر للعالم السري للرذيلة والمخدرات والتحلل الأخلاقي، ومهما كان رأيك في النظام السعودي الا أن هذه الخطوة لا غبار عليها طالما ان هناك قوانين أخرى رادعة للجريمة مانعة للمنكر ضابطة للشارع العام وفق المعقول والعرف والمتفق عليه بالحد الأدنى للطبع والفطرة السليمة.
فالفرحون بعودة الظلام العام هم في قرارة أنفسهم جزعون لا على الشارع وتحلله بل على فكرة بمثابة يوتوبيا للمدينة الفاضلة الطاهرة النقية، وهم انفسهم بشر ويقارفون المنكرات لكنهم يريدوننا كلنا في الشارع نبدو ملائكيين ليرضوا ضميرهم أن كل شيء بخير ويرضي الله.
(كل ابن آدم خطاء وخير الخطاؤون التوابون) وليست التوبة على الإطلاق في كل شيء من وظائف الدولة، ليس في الإسلام شباك اعتراف أو كرسي رسولي يمنح الغفران، هذا النهج الذي يتبناه دعاة الظلام العام هو نهج كنسي بيورتاني في جذوره البعيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى