القصة ومافيها

النور عادل يكتب : ما النظام العام الذي نرفضه؟

طرح إعادة صلاحيات (النظام العام) أو ما سمته وزارة الداخلية بالشرطة المجتمعية عديد التساؤلات والاشكالات، يهمنا منها الجانب الفكري القيمي أكثر من غيره. فأول ما يتسم به هذا القانون هو ضعف التنظير والمبادئ الموجهة والرؤية الحكيمة المستندة على أسس علمية وفقهية وثقافية ويعتبر قفزا على السياق أن تصفه وزارة الداخلية بلفظة (المجتمعية) اذ ما طبيعة الدور الذي يطلع به المجتمع الذي هو ذات المجتمع الذي يعاني في أبسط حقوقه القانونية لدى الشرطة بدءا من فتح البلاغ وليس نهاية باستخراج الجواز والأوراق الثبوتية. ما الدور الذي ترنو له وزارة الداخلية وما شكل العلاقة التي تصبو إليها مع مجتمع تمارس ضده العنف المفرط من قنص وضرب بتشفي ودهس بالسيارات الرسمية ضد أبناء المجتمع ذاته.. عموما هذه أسئلة استفتاحية مكررة لكن الداخلية كالعهد بها لن تسمع الا ما تريد أن تسمع والله المستعان.

النظام العام عبارة واسعة تختلط مع مفهوم الحريات العامة، وقد تختلط مع مفهوم الستر. فما حدود النظام العام؟ وما حدود الحرية المعقولة شعبيا؟ ما موجهاته؟ ما قوانينه الساطعة تلك التي تحدد لنا كشعب ما هو مع النظام العام وضده؟! ام الأمر متروك لتقديرات الضابط مسؤول الحملة والقسم؟!
نريد أن نطمئن لما تبقى لنا من سقف الحريات الذي يوميا بات في انخفاض في ظل دولة الجنرالات هذه! وحالة اللادولة أحيانا.
ما هو النظام العام عند البرهان عسكري القوات المسلحة؟ وما هو عند حميدتي قائد الدعم السريع؟ وما هو هذا النظام العام عند أردول المنتسب للفضاء الليبرالي العسكرتاري الشمولي مؤخرا؟! هذا المشهد العبثي أنتجته ولا تزال دولة الأمر الواقع.
فشعرك لو طال بضع سنتمرات فانت مخالف للنظام العام المعروف عند الدعم السريع! ولو وصل إلى ركبتك لا فرق عند عسكري الجيش، وعسكري الشرطة بينهما وحسب مزاجه!
أين هي حدود صلاحيات المجلس التشريعي فك الله أسره؟ وحدود صلاحيات النظام العام المعاد بعثه لشيء في نفس يعقوب. وهل سيحدد هذه الصلاحيات ضباط أقسام الربيع والكبجاب مثلا؟ أليست هذه هي الفوضى عينها أن يتغول التنفيذي على التشريعي ويمارس دوره بلا رقابة أو حساب؟
ثم هب أنني مبتلى بشرب الخمر في بيتي ولوحدي، هل من صلاحية الدولة أن تقفز لي منتصف الليل وتدفق خمري وتفضح سترا أرخاه الله علي؟! ما هي تلك الحدود الفاصلة بيني وبين الدولة؟! ما الجائز وغير الجائز؟ ومن يأمن الان ان يهتك ستره بوشاية حاقدة من قبيل الكيد السياسي في بلد يمور بالدجل والخطل السياسي العام؟! ومن يضمن ان تكون هذه الدولة محايدة تجاه معارضيها وأن لا تجعل التشفي والترصد منهجها تحت لافتة النظام العام؟! ثم هل سيطبق هذا النظام على الجميع؟ اقصد الجميع بمن فيهم أفراد المسؤولين وأبناءهم والنظاميين من ذوي الرتب الرفيعة؟ ام هو نظام حصري للبسطاء وسكان الأطراف ومن لا ظهر لهم؟!
هل من صلاحية الدولة أن تحدد لي سلوكياتي وانا داخل بيتي ومهجعي؟! إذن لماذا لا تحدد لنا هذه الدولة الكريمة كم مرة نأتي نسائنا؟ ولما لا تحدد لنا درجة التخمير المناسبة في (الشربوت) مثلا، أو تتدخل وتضع نسبة قانونية رسمية للكافيين في قهوتنا وشاينا كل صباح؟!
ما تعريف (وضع مخل بالآداب)؟
هذه العبارة الفضفاضة ما حدودها؟ ما أساسها الثقافي الذي تستند عليه؟ هل هو الدين الإسلامي الحنيف؟ ام العادات والتقاليد العامة؟ ام أيضا تخضع لتدين ورؤية ضابط الدورية؟
صديقنا الساخر (خالد جوكا) سأل قبل أيام في منشور له عبر فيسبوك ما اعتبره البعض محض سخرية. لكنني اعتقد أنه قد أصاب كبد الموضوع، اذ سأل بسخرية ما فحواه:
كيف يستقيم أن أودع الحراسة مع شخص قاتل، وآخر مصاب بسبع رصاصات، وآخر بمخدرات، وانا بتهمة “لبس شورت”.
ولك أن تتخيل حجم السخرية فيما كتب جوكا؛ قاتل، وتاجر مخدرات، مع شخص جريمته لبس الشورت!
في كل العالم حولنا هناك نظام عام أخلاقي واجب المراعاة، ليست هناك حرية مطلقة أبدا، والا لتحولنا لغابة بشرية، مفهوم، لكن هنالك قوانين وضوابط محددة تعرف الفعل كذا بوصفه ورسمه وكنهه بأنه مخالف للنظام العام. فحتى في أعتى الليبراليات بالعالم أمريكا هناك ولايات تمنع قوانينها التعري في الشارع العام، وفي اليابان يعتبر التدخين العشوائي في أي مكان مخالفة للنظام العام وجريمة تستوجب العقوبة وفق القانون، مجرد التدخين العادي عشوائيا مخالفة عندهم. فنحن هنا نطالب المشرع الغائب أن يحدد لنا ما المعني بالزيي العام المحتشم الذي يليق بالحد الأدنى لأي إنسان سوي مسلما كان ام غير مسلم. وما معنى وضع مخل بالآداب؟ هب أنني جالس في مكان عام، المقاهي الشعبية (ستات القهوة) مخالفا بين قدمي هل هذا وضع مخل بالآداب مثلا؟ وتلك التي تستند على حضن عشيقها أمام الجميع هل نحن سواء في وضع مخل بالآداب؟ وتلك الزوجة في شارع النيل التي بكت لأمر دهمها واسندت رأسها لزوجها، هل كلنا بمختلف حالاتنا هذه مخالفين للنظام العام؟
ثم ما معنى أن تداهم مكان مغلق وتقبض على من فيه وتقول وجدوا في وضع مخل بالآداب؟! نحن نعرف الزنا بشهود أربعة حضورا لا تختلف روايتهم. نعرف أن من ارخى عليه ستره لا يهتك مالم يهتكه هو بفاحشة مبينة شهد عليها الناس، هذا من ناحية تأصيل فقهي إسلامي بفرض أن انقلاب 25 اكتوبر إسلامي مثلا.. ليس في الإسلام إذا احتكمنا له مرجعية ليس فيه مداهمة للبيوت الآمنة المطمئنة مالم يثبت الضرر منها ويشيع أمرها علنا أنها مكان للمنكر وحتى هذه تخضع للقواعد والأصول وليس لمزاج فرد او أفراد والا لاختلط الحابل بالنابل وادعى كل أحد على جاره نكاية وتشفيا. وليس لأحد أن يتجسس ويتحسس لكشف ستر البيوت من أساسه مالم يكن هناك جريمة مهددة للأمن العام كله. فهل الزنا أو الوضع المخل بالآداب مثلا من مهددات الأمن القومي مثلا؟! واعني هنا الجانب الدنيوي لا الشرعي القدري حتى لا يزايد أحدهم علينا بغضب الله تعالى. فالله – جل شأنه- يغضب لقتل النفس التي حرم الا بحقها وليس فقط يغضب لأن عبده زنا في ستر.
ثم فيما يتعلق بالدخان والشيشة وما إلى ذلك، من المضحك المبكي أن هذه أيضا تحارب بطريقة انتقائية مبتذلة متحيزة. إذ كيف يستقيم أن تسمح باستيرادها الدولة من الأساس ويدفع أصحابها رسوم وجمارك ثم تأتي الدولة ذاتها، هي ذاتها والله، وتزعم أنها مخالفة للنظام العام! ثم الزي الفاضح هب أنه المحذق والملزق والشفاف هل يدخل سرا أو يدخل بطاقية الاخفاء مثلا؟! ام هي ذات الدولة التي سمحت به عبر منافذها المختلفة وبأختامها الرسمية صرحت دخوله؟!
قليل من الإستاق يرحمكم الله ويصلح بالكم.
إن حالة (فضفاضية) الدولة وأجهزتها التنفيذية بموجب الأمر الواقع بعد انقلاب 25 اكتوبر وهو الانقلاب الذي عقد الأمور اكثر في كل المناحي ما جعل الوضع العام يزداد ترديا وتأخرا، هذه الحالة بين بين التي تؤخر الاجابة على أسئلة الحياة اليومية من مأكل ومشرب وأمان، حري بها أن تتخبط وتمعن في اللامعقول وتعيد ما تجهل كنهه وابعاده على الحياة العامة تحت مسمى النظام العام.
ونعيد ونكرر لسنا ضد الدين، لسنا ضد العرف، لسنا ضد الذوق العام والفطرة السليمة، لكننا ضد أن تسود الفوضى بإسم كل هذه القيم، ضد الفوضى باسم الله واسم القانون واسم (المجتمعية).
هذا غير أن شرطتنا المنوط بها فرض النظام العام هي راسبة بجدارة في مادة حقوق الإنسان فأنى لها مادة النظام العام أن تنجح؟!
يا مسهل يارب سهل أمرنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى