القصة ومافيها

النور عادل يكتب : ماذا يريد منا تنظيم القاعدة؟

هذا أول خبر طالعته صباح اليوم وانا افتح الداتا، عنوان عريض (عضو بارز بالقاعدة يدعوا منتسبيه لنقل القتال إلى السودان)
ما الذي يريد تنظيم القاعدة أن يفجره عندنا ولم تفجره الإنقاذ واللجنة الأمنية من بعد الإنقاذ؟!
اتسائل بصدق، ما الذي تبقى واقفا هنا حتى يهبوا لتدميره؟!
كنت قد آليت على نفسي منذ سنوات أن لا اهتم بجماعات العمل المسلح الإسلامية لأنها ببساطة فقدت أدق رمزية لها في سعيها نحو استعادة أمجاد الأمة الإسلامية وهي رمزية الجهاد الشرعي الصحيح بشروطه وضوابطه وباتت حركات أقرب للمافيا الإيطالية والتشكيلات الاجرامية منها مجاهدة، باتت قصص اختراقها من قبل استخبارات العالم مثيرة للخيبة والأسف، لذا اعتبرتهم مجرد هوامش في التاريخ الحديث والوقت كفيل بتجاوزهم واحباط تأويلاتهم.
لكنهم اليوم أججوا في عقلي وجسمي نار السؤال الحار، ما الذي عندنا ليجهدوا انفسهم ويأتوا لجهزوا عليه؟!

أن تستيقظ كل صباح في بلد كبلدنا السودان في هذه الأيام العجاف وهذا الظروف الجبارة لهي معركة بحد ذاتها. وأي معركة إنها معركة الحياة بكل تفاصيلها المؤلمة المستمرة.
بعيدا عن السياسة قاتل الله السياسة وقريبا من واقع الحياة اليومية المريرة بتنا معرضين للانكسار أكثر من أي وقت مضى، فهل ينقصنا الانفجار مثلا؟ نحن ننفجر فعليا وكل يوم ولكن انفجارات عاطفية ونفسية وجسدية ينقصها فقط العنصر الكيماوي وفتيل الاشعال وجهاز التحكم عن بعد!
اكتب هذه الكلمات وأحس أنني اختنق لاكتبها. لكن الكتابة وبصدق هي متنفسنا ومرفئنا لأرواحنا المجهدة المجاهدة للاستمرار رغم فقدان الشغف الذي زوى ورغم الأمل الذي بات بحاجة لعناية الله وتوفيقه ليأمل ويعيش هو نفسه.

كيف تكسر الحياة الرجال؟
تذكرت دعاء سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال). تذكرته وأنا أرى صدق نبوءته صلى الله عليه وسلم والرجال اليوم تقهر بيد الرجال، فبات نوع من الروتين المتقطع أن يموت كل فترة عام إلى عامين شخص، زول، بشر، مواطن في حراسات الشرطة، أقصد الشرطة السودانية وليس شرطة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة. في اطراف البلاد الغربية بات الموت بالاجمال في دارفور والنيل الأزرق أمرا عاديا جدا في نشرات الاخبار الإقليمية، والمحلية بالطبع لا تذكره الا على استحياء. هذه أيام قهر الرجال وانت تعود إلى بيتك آخر الليل ومن ينهبك هو رجل الشرطة لا اللصوص وقطاع الطرق. هذه أيام قهر الرجال ونحن نرى أصدقاء الأمس يهيمون في الطرقات عراة الملابس والعقول. فاللهم لطفك ومعيتك. هذه الأيام حق لها أن تسمى بعام القهر الوطني!
أما غلبة الدين فخذ عندك هذا الخبر أو هذا الرثاء الأممي إذ أعلنت الأمم المتحدة عبر منظمتها المعنية بالتعليم اليونسكو أن نحو 12 مليون طفل هذا العام خارج مظلة التعليم بسبب الاوضاع الاقتصادية العامة بالبلاد. وكنت أظن وبعض الظن إثم أن هذا الخبر ماهو إلا محض تحامل من المنظمة العالمية إلى أن رأيت بعيني نماذج حية كثيرة ونحن الان في الأسبوع الثالث للعام الدراسي والكثير من الأطفال من الجنسين يهيمون في الشوراع يجمعون الحديد والبلاستيك ويبيعون الطعام والأشياء الرخيصة ليسدوا رمقهم.
هل تعلم أو تتخيل حجم الوجع الذي يعتريني لاواصل هذا الجحيم؟
هل تعلم أن طفل عمره 13 عام يعول أسرة؟
الطفل آدم هارون من معسكر عطاش بنيالا، تعرفونه؟ عمره 12 عاما خرج مع بعض أطفال المعسكر الى مكب القمامة الذي يبعد إثنين كيلومتر عن المعسكر لجمع الخردوات والبحث عن طعام هناك، فقد أوقف صندوق الغذاء العالمي منذ أربع سنوات معونته للمعسكر القاطن فيه نحو 200‪ ألف روح. نهاية القصة مات آدم هارون متسمما في مكب القمامة بعد تناولهم بحسب شهادة طفلة معهم ناجية من الموت لطحنية برائحة الجازولين!
هل احمل النظام اللوم؟ معاذ الله أن أحمل العدم ما لايحتمل.
إن آدم الان عند رب رحيم واجزم أن الموت ارحم بأطفال تلك المعسكرات سيئة السمعة من العيش فيها، فإما ماتوا بالمرض أو ماتوا بعد انضمامهم للحرب لاحقا وسط قوات المعارضة وقادتها أمراء الحرب شركاء الانقلاب وأحبابه.
12 مليون طفل خارج مظلة التعليم، يعني 12 مليون أب وأم يعيشون الكمد صباح مساء، يعني 12 مليون أسرة مفككة!
12 مليون طفل بلا تعليم يعني مستقبل واعد لسودان الغد الأمي حتى في الكتابة والقراءة والساسة يحدثونك عن المستقبل الواعد! لعن الله النفاق وملته أجمعين.
لاحظت مؤخرا انتشار ظاهرة الأسر وخاصة النساء اللائي خرجن أمام بيوتهن لبيع الطعام، هل كلفت وزارة الرعاية الاجتماعية نفسها أن تبحث هذه الظاهرة؟ ترى أين تقبع هذه الوزارة؟ ومن وزيرها؟ أنا لا اسمع بها الا وقت تشكيل الحكومة فقط.
إن الحياة تكسرنا كل يوم، كل صباح، كل ساعة وثانية في هذا الوطن السجن لنستمر. لقد اتسع الخرق على الراتق على جميع الأصعدة خاصة الاجتماعية والتربوية، فمظاهر الانحلال والمخدرات باتت عادية، وكم الحرائر اللائي نزلن الشارع للحرام مقابل الدفع يزداد، ولا تسأل عن النظام بربك لاتسأل عن الخيال وفزاعة الحقل.
إن الحياة كل يوم تكسرنا لدرجة ان المريض بات يهزأ من الطبيب حين ينصحه بالراحة التامة والغذاء المنوع الصحي! غذاء منوع وصحي وهنا؟ يا للسخرية!
بات الوضع كله الان أقرب للنكتة الثقيلة، بتنا نتندر ونضحك على أوضاعنا وبات عندنا مناعة من الفقر ومناعة من الأمل ومن كل فكرة توحي بأن غدا أفضل.
الشوارع الفارغة من بعد العشاء، والمحلات التي تغلق مبكرا، والوجوه الواجمة المتحدثة أثناء مشيها، كل هذا العبث وضياع المعنى وتراجع القيم وتردي الأخلاق كل هذا يوضح كيف كسرتنا الحياة وكيف تصر على أن تكسرنا اكثر واعنف مما تفعل.
لكننا نقاوم وسنظل، لا سبيل لنا مع هذه الحياة هنا الا المقاومة والنضال لننهض كل صباح لنستمر، بالله وحده ننتصر، وكل هذا العالم المادي من حولنا بات على بعد خطوات من يقين أنه (مالها من دون الله كاشفة)
هذه الحضارة تسقط يا سادة.
عفوا، من تريد القاعدة أن تقاتل هنا؟ وما الذي تأمل أن تحققه لم تحققه في العراق وسوريا وليبيا؟! غير مهم.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والاغبياء والاغبياء والاغبياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى