إشكالات التحول الديمقراطي في السودان بعد الاتفاق الإطاري
كتب / عبد الرحمن عماد
التحول الديمقراطي هو مصطلح يعبر عن عملية الانتقال من نظام دكتاتوري أو شمولي إلى نظام ديمقراطي، ويعتبر تحديا في ذاته كونه يتطلب الكثير من الجهود على أصعدة شتى، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري، لمعالجة التركة السابقة الناجمة عن سيطرة شخص واحد أو مؤسسة واحدة على مؤسسات الدولة.
تحديات التحول الديمقراطي
- التحدي السياسي:
هناك العديد من التحديات الصعبة لكن يظل الجانب السياسي هو الأهم في الساحة، حيث الكثير من الاستقطاب السياسي والمنافسة الشرسة ومحاولة كل قوة سياسية تثبيت نفسها على الساحة الشعبية، وبطبيعة الحال السباق نحو الانتخابات وربما تشكيل تحالفات.
كذلك تأتي طبيعة العلاقة مع النظام السابق ضمن هذه التحديات، حيث تنقسم هذه القوى السياسية الحاكمة “فكريا ومصلحيا” في كيفية علاقة الحكومة مع عناصر النظام السابق، فبعض هذه القوى قام بمواءمات وعقد حتى تحالفات مع أحزاب موالية للنظام السابق وقد سقطت معه، والبعض الآخر يرفض حتى الوجود السياسي لتلك الأحزاب حاليا.
أيضا يلاحظ تزايد الهجمات الإلكترونية المنظمة وحملات اغتيال الشخصيات إلكترونيا، ومن أهم التحديات طبيعة علاقة قوى الثورة مع المؤسسة العسكرية بمختلف فروعها وأجهزتها والتدخلات الكبيرة في تسيير الدولة والتقاطعات مع عمل الحكومة التنفيذية، ورغم إعلان المؤسسة العسكرية خروجها من المشهد السياسي فإن مظاهر عدم الثقة الواضحة بين قوى الثورة والجيش يشكل تحديا واضحا.
من أهم التحديات طبيعة علاقة قوى الثورة مع المؤسسة العسكرية بمختلف فروعها وأجهزتها والتدخلات الكبيرة في تسيير الدولة والتقاطعات مع عمل الحكومة التنفيذية
ثم ما ذكر عن تقسيم أطراف الاتفاق الإطاري إلى قوى ثورة وقوى انتقال، وهو ما لم يرد في الاتفاق الإطاري ويتم الترويج له من قبل قوى الحرية والتغيير إضافة إلى ترحيل القضايا الخمس أو ما تسمى بأمهات القضايا وهي العدالة والعدالة الانتقالية، واتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام، والإصلاح الأمني والعسكري، وتفكيك نظام 30 يونيو، والالتزام بحل أزمة شرق السودان، تمثل أيضا تحديا كونها قضايا تحتاج إلى مشاركة واسعة حتى من قبل عناصر من النظام السابق مثل قادة شرق السودان، وهو ما يجب على قوى التغيير النظر فيه.
وفوق كل ذلك، يواجه السودان أهم قضية وهي جمع الصف الوطني وإعادة المنشقين مثل لجان المقاومة وحزب البعث والشيوعي وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، فضلا عن مقاومة الاتفاق من قبل أطراف أخرى.
- التحديات الاقتصادية:
الخلاف المتجذر بين القوى السياسية الحاكمة سابقا هو خلاف تاريخي في نواح عديدة فكرية وسياسية واقتصادية، وقد برز جليا منذ الأسابيع الأولى لعمل الحكومة السابقة، فهناك الأحزاب اليسارية التي تدعو إلى ما أسمته الحلول الوطنية التي تمت صياغتها في البرنامج الإسعافي لقوى الحرية والتغيير في 2019.
أما الأحزاب القائمة على سياسات اقتصادية ليبرالية والتعاون مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية -وهي السياسة التي تعتمد على خروج الدولة من دعم السلع الأساسية والمحروقات وكذلك من النشاط الاقتصادي- فقد أدى ذلك التعاون للخلاف العميق وخروج الحزب الشيوعي من إعلان الحرية والتغيير بعد المؤتمر الاقتصادي الذي أقر بسياسات صندوق النقد الدولي.
الخلاف المتجذر بين القوى السياسية الحاكمة سابقا هو خلاف تاريخي في نواح عديدة، فكرية وسياسية واقتصادية، وقد برز جليا منذ الأسابيع الأولى لعمل الحكومة السابقة وأدى إلى انشقاق داخل مكونات الحرية والتغيير
وقد انتقدت اللجنة الاقتصادية المنبثقة من الحرية والتغيير -والتي سيطر عليها اليسار في 2020- السياسات التي تتبعها الحكومة، متهمة إياها بنهج طريق النظام السابق في تنفيذ برنامجه الذي يسمى بـ”البرنامج الخماسي (2015 – 2020) الذي يقضي بنهاية عام 2020 برفع الدعم عن المحروقات والخبز تماما، وهو ما حدث بالفعل بعد عام.
- التحديات الفكرية:
كما في أي دولة ثمة اختلافات فكرية بين الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والدينية إلا أن اختلاف الفكر في السودان مرتبط بالاقتصاد أكثر من الدين خصوصا من جانب الطبقة السياسة الحالية، وبرز هذا جليا في الاتفاق الذي أبرمه حمدوك مع عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية في جبال النوبة -اتفاقية أديس أبابا- التي نصت صراحة على فصل الدين عن الدولة كأبرز بنوده وهو ما وافقت عليه جميع الكتل السياسية في الحرية والتغيير سواء في كتلة الإجماع الوطني التي منها الحزب الشيوعي والبعث وحركة حق أو كتلة نداء السودان مثل المؤتمر السوداني والجبهة الثورية والتجمع الاتحادي وتجمع المهنيين.
غير أن حزب الأمة عارض الاتفاقية جزئيا، وعلى الصعيد الشعبي يبدو أن هناك انقساما حول شرعية هذه الاتفاقية كونها يجب أن تناقش في المؤتمر الدستوري، فيما تعارض بعض الشخصيات فكرة مناقشة القضايا المصيرية في المؤتمر الدستوري مثل وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري والحلو.
هذه التحديات وتحديات أخرى مثل قضية دمج الدعم السريع وإصلاح اتفاقية جوبا والترتيبات الأمنية وقضية معالجة الديون والدعم الاقتصادي، كلها تشكل صعوبة بالغة لنجاح الفترة الانتقالية في عامها الرابع، ما يتطلب وعيا حقيقيا لتجاوز كل هذه
نقلا عن الجزيرة نت