القصة ومافيها

النور عادل يكتب : شعب الله المحتار

هل نحن شعب الله المحتار حقا؟ نعم المحتار أعني بالحاء، لا الخاء فالخاء في شأننا لا تصلح لغير (اخخخخ).
نحن شعب يقتات على الكراهية، ومتشرب بمشاعر الغل والحسد والتشفي، وعندنا نزعة من الغباء المستحكم الذي لا يسمح لصاحبه أن يفكر ولو دقائق في أفعاله واقواله ومآلات الاوضاع.
بالجملة نحن شعب يعيش أزمة تربية شوهاء، مزعجة، متعبة، نختار أصعب الدروب ونكره السهل منها، نتشكك في ابتسامات الصباح ونظن بصاحبها الجنون أو السطل أو السفه، جربت هذا الأمر كثيرا أن ابتسم كل صباح على منهج دعاة التنمية البشرية، فالاخير احتفظت بابتساماتي لنفسي وخاصتي لشدة ما عانيت الأمرين في شرح أنها بسمة عفوية ولم يشفع لي حتى حديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
نحن شعب طيب لدرجة بعيدة صحيح، لكن بعدها تبدأ محطة جديدة لشعب حاقد حاسد غيور وأناني، لدرجة بعيدة. تظنني متحامل؟ حسنا كم مرة رأيت جارك يهم مثلا بالتخلص من بعض الخردوات فطلبت أن تشتريها منه فرفض بحجة أنهم بحاجة لها مستقبلا وادخلها من جديد المخزن بعد أن ظن أن لها قيمة بعد سوالك. كم مرة زرعت أغصان العشم في عقول ظننتها كبيرة مثلما صورت لك وفي أول منعطف خرج لك الطفل الجاهل المتغطرس بأبيه وأمه وحسبه ونسبه فأدركت متأخرا أنك تتعامل مع طفل كبير وقد اضعت ثقتك في السراب. كم مرة قابلت دكتورا يحمل درجة العظماء وطريقة تفكيره ونظره للأمور أقل ما توصف به تافهة لا علاقة لها قريب أو بعيد بمجرد دبلوم معهد سوقي رخيص بخمسة ألف مقسطة حتى نهاية الكورس.
ومن عجب فنحن شعب طيب مضياف بشكل مثير للاعجاب ولكن نفس هذا الشعب المستعد أن يذبح لك ناقة، هو نفس الشعب الذي قد يقاتلك في خمس سنتميرات في الطريق (ده شارعي). شعب يتصدق بدم ابنائه ويرفض الدية لكنه قد يجن لو اخذت منه شبرا في الشارع العام.
ونحن شعب معاكس، يعشق المعاكسة في كل شيء، بدءا من شاي الصباح، وصلاة الجماعة وكل يبدأ الصف بمزاجه مع وجود صف قد بدا لتوه، مرورا بتعرفة المواصلات وموال التعرفة كم (ورينا المنشور) وليس أكثر من مرة نعكس الشارع ونخنق المرور ونسب رجل المرور لأن حظه أنه رجل مرور في هذه السانحة الضيقة وليس دفار شغب مكتمل العدد.
ونحن شعب ضد مطلق نظام، تنظيم، منظم.. وكل مشتقات نظم نحن بالضد له وعن وعي وعمد بل ونكره جدا الشخص المنظم في طريقة حياته ونصفه ب(الشايف نفسه) (طايرة ليه ساي) (عامل فيها خواجة).
لماذا نستغرب معاكسة حميدتي مثلا للبرهان مؤخرا؟! ولماذا يستهجن البعض خطاب الكباشي (حدث ما حدث) اليوم بجنوب كردفان. أليسوا هم سودانيون من طينة هذا الشعب المرائي الرافض لصوت الحق والحقيقة ويسمي النقد بجلد الذات.
كل مشاكسات السياسيين في بلادي ليست مستغربة فهي تشبهنا، وتشبه أخلاقنا الرديئة والتي نصر أن نزيفها ونعكس أبهى ما فينا ونظن أننا نخدع العالمين ونحن نخدع أنفسنا.
نحن شعب يخدع نفسه كل صباح، بأن الاوضاع ستتحسن، وأن العسكريين آمنوا بلغة الحوار وسياسيينا آمنوا أو نزلت عليهم الوطنية باردة من السماء فحجوا للقاهرة ليعبقوا منها بجوار سيدي الحسين (شيء لله يا ساكن قصر الاتحادية). ونخدع أنفسنا بجدارة وبعضنا يردد (يا حليل البشير كان حرامي لكن معيشنا) في أبهى وأرذل صور خداع الذات العام. وليس هذا محل تفصيل يا جداد الحي.
نحن شعب يعيش أزمات عميقة، في التربية، والأخلاق، والدين، والثقافة، واحترام الذات والآخر، شعب مشروخ، اشبه بمرآة مخدشة تعكس صورتنا المشوشة، مكسرة، متعددة، ونرفض ويرفض كل واحد منا أن يجلس مع نفسه، مع مرآة حقيقية سليمة لينظر لنفسه الحقيقية.
(مالها من دون الله كاشفة)
قد يتبع وقد يخرس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى