تقارير سياسية

للمرة الثانية…. المصريون يلدغون من الجُحر الكيزاني!

 

Sudan2day

يتابع السودانيون، في زحمة انشغالهم بالوقائع اليومية لحرب الضباط الكيزان في الجيش ضد محمد حمدان دقلو وقوات دعمه السريع، تحركات دبلوماسي من قيادات الإخوان المسلمين، وهو السفير دفع الله الحاج، ظهر فجأة في الرياض والقاهرة، مدعياً أنه “مبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني”! وذلك على الرغم من أن رئيس مجلس السيادة، الذي هو في الوقت نفسه القائد العام لما بقي من الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، متوارٍ تماماً عن الأنظار منذ صبيحة الحرب في 15 إبريل 2023. وبحكم أن القائد العام الحقيقي لما كان يعرف بـ “قوات الشعب المسلحة” هو تنظيم الإخوان المسلمين، بقيادة علي أحمد كرتي، وعلي عثمان محمد طه، وأحمد محمد هارون، فإن الرسائل التي يريدون تمريرها باسم البرهان يعلنها المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبد الله، وهو ظل منتمياً لتنظيم الإخوان المسلمين منذ أن كان طالباً في مدرسة نيالا الثانوية. وفي الجانب السياسي ظهر فجأة السفير دفع الله الحاج تحت لافتة “مبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني”. ومثلما فعل الإخوان المسلمون السودانيون غداة إنقلابهم العسكري في 30 يونيو 1989، حين أبلغوا سفير مصر السابق في الخرطوم سعد الشربيني أنهم مجرد “ضباط وطنيين، لا علاقة لهم البتة بجماعة الإخوان”، التي كان يتزعمها آنذاك الدكتور حسن عبد الله الترابي؛ هاهم يقعون في فخ “إخوان السودان” بسماح وزير الخارجية سامح شكري باستقبال المبعوث الخاص لرئيس مجلس السيادة. وهو في الحقيقة جاء للقاهرة لـ “جس النبض” تجاه استعادة التنظيم الحكم في السودان. السفير دفع الله من حوادثه المعروفة أنه اقترن بالسفيرة أميرة قرناص أثناء عمله مندوباً للسودان لدى الأمم المتحدة في نيويورك. ولما علمت زوجته الأولى وحاول استرضاءها تمسكت بأنها لن ترضى إلا إذا أخذها الى مخدع ضرّتها، أي مقر السفير السوداني في واشنطن. وتم تعيينه سفيراً للسودان لدى الولايات المتحدة.. وانتهى الأمر بأن سارع وزير خارجيته علي أحمد كرتي للاقتران بالسفيرة قرناص!!!


غير أنه بات واضحاً أن السعودية ومصر أضحتا تدركان جيداً أن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني الفريق البرهان لا يعدو أن يكون أداة بأيدي الإخوان المسلمين، وأن الحرب الحقيقية هي بين ضباط الإخوان في الجيش، وهم قلة، وبين دقلو، الذي يبحث عن حاضنة، تغسل ماضيه الدموي في دارفور، وتضمن له منصباً دستورياً قيادياً في التسوية المحتملة من خلال الاتفاق السياسي الإطاري، ثم النهائي. ومعروف أن الإخوان قرروا الزج بجناحهم العسكري في 15 إبريل لقطع الطريق على توقيع الاتفاق النهائي، الذي كان مقرراً أن يسفر عن تشكيل حكومة مدنية انتقالية في 11 إبريل 2023.
أساليب الإخوان المسلمين في السودان أضحت مكشوفة لكل الأطراف. فقد استخدموا فزّاعة “استهداف الإسلام في السودان”، وما بنوه حولها من أكاذيب تتعلق بإطلاق حرية المثليين، ومراعاة التوازن الجندري. وطبعاً ظلوا يزعمون منذ بدء مفاوضات الاتفاق الإطاري أن نصوصه جاءت مكتوبة جاهزة من الخارج، وأنه ليس سوى إملاءات! ولم يبق لهم إلا أن يقولوا للشعب السوداني دعونا نحن الكيزان نتولى التفاوض وصياغة بنود الاتفاق نيابة عناكم، لأنكم أيها السودانيون لا تعرفون مصالحكم، ولن تجدوا جهة تأتمنونها على مصالحكم غيرنا نحن الكيزان!!
كل ما لا يكون فيه وجود ونفوذ مؤثر للكيزان فهم جاهزون لحَبْك “نظريات المؤامرة”. من أين تأتي الإملاءات المزعومة؟ لو كانت تفرضها دولة واحدة كان يكن أن تجد نظرية المؤامرة قدراً من القبول. لكنها وساطة معلنة تحت ضوء الشمس، تشارك فيها الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات، والاتتحاد الأوروبي، والنرويج، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيقاد الإقليمية. هل يريد كل من هذه الدول الكبيرة أن يكون له نصيب من “الكعكة” السودانية، التي يطمع الكيزان في أن يمتلكوها ويلتهموها في الوقت نفسه؟ وهل يصدق أحد، غير المجانين والهُبُل، أن هذه “الولولة” الكيزانية حرص صادق على وحدة السودان، وبقاء دولته التي ظلت قيد الوجود منذ آلاف السنوات؟ من فصل الجنوب عن شمال السودان؟ من أشعل الحرب الأهلية في دارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبة؟ هل هم الأمريكيون والنرويجيون أم أنهم الكيزان وحدهم؟!
قال مبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني… ألعبوا غيرها أيها الإخوان المسلمون السودانيون. في ذمتكم دماء كل الشهداء الذين قتلتموهم بدم بارد منذ 30 يونيو 1989 حتى كل يوم يمضي من الحرب اللعينة الحالية. حتى أشكال ضباطكم لا تخفى على أحد.. العميد طارق الهادي “كضّاب” مثالاً.. العميد نبيل عبد الله مثالاً… السفير دفع الله الحاج مثالاً. حتى المنافقون الذين يقومون بخدمات مدفوعة الأجر للكيزان لم يعد بمستطاعهم أن “يغطغطوا ذقونهم”… الفريق شمس الدين كضباشي مثالاً… الفريق ياسر العطا نموذجاً.
تدخل حرب الشياطين التي يصطلي الشعب السودانتي بنارها أسبوعها الرابع السيت القادم (6 مايو 2023). ولا شيء يلوح في الأفق ببارقة سلام. وبدأت دول الوساطة وحلفائها يدركون جيداً جداً أن الإخوان المسلمين سيتشبثون بشروط مستحيلة لجعل المفاوضات عملاً مستحيلاً.. كأن يشترطوا محاكمة محمد حمدان د\قلو، أو قيامه بتسليم قواته وأسلحته وآلياته… ومن الواضح أن الوسطاء سيمدون حبال الصبر الى أقصى مدى.. لكنهم سيخيرون الكيزان بين توقيع اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، مع الرضوخ لآلية مراقبة محلية ودولية وأممية لوقف إطلاق النار… وفي حال العراقيل، سيضطر المجتمع الدولي الى نشر قوات دولية للفصل بين الكيزان وقوات الدعم السريع. وهو أسوأ كابوس يقض مضاجع الكيزان الهاربين من السجون، الذين يديرون المعركة من مزارعهم ومخابئهم لينفذها ضباطهم في ما يسمى “قوات الشعب المسلحة”، التي ليس فيها ضابط وطني حقاً سوى وزير الدفاع الفريق ياسين إبراهيم، الذي يبدو أنه يتفرج هو الآخر على هذه الألاعيب الكيزانية.
ليس أمام الشعب السوداني الصامد المكتوي بنيران هذه العصابة المؤدلجة سوى حل وحيد للعبور؛ وهو تنفيذ الاتفاق السياسي النهائي، وتشكيل حكومة مدنية تتولى إعادة إعمار البلاد. ويمكن استيعاب قوى سياسية أخرى في الاتفاق السياسي، ولكن من دون أن تُملي شروطاً لضمان مصالحها الشخصية والجهوية الضيقة، خصوصاً التلاعب ببورصة المناصب التنفيذية والدستورية. وسيكون استئناف العملية السياسية فرصة ملائمة لإعادة فتح ملف اتفاق جوبا لسلام السودان (أكتوبر 2020)، لإزالة تشوهاته، وإلغاء امتيازات حصلت عليها حركات التمرد السابقة من دون وجه حق.
يعتقد الكيزان وقادة الحركات المسلحة والأحزاب التافهة، التي تضم شخصيات قميئة مثل التوم هجو، وعلي عسكوري، وغيرهما أن الحكومة المدنية القادمة فرصة للاغتناء، والاقتناء، وحصد المكاسب الحرام. لكن الشعب والوسطاء الأجانب يعرفون أن أمام تلك الحكومة أصعب المهمات: تحقيق السلام، وإعادة بناء ما دمرته الحرب، والاتفاق على شروط دمج الميلشيات وجيوش الحركات المسلحة في جيش قومي سوداني، يعاد النظر في هياكله، وفي عقيدته القتالية، وإعادة تعريف دوره تجاه المجتمع والحياة المدنية. وهي مهمات يحاول الكيزان ومن يتشدقون بالوقوف مع وضد الجيش القومي الوطني بشيطنتها. ولكن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح: السودان وطن يملكه 45 مليون مواطن سوداني. لا يحق لفئة من شياطين السياسة الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء أن تحتكر شكل السلطة، وتنهب الثروة، وتنجو كل مرة من العقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى