مقالات

خالد ماسا يكتب : إعلان جدة .. الميلاد الثاني ..

لم يكُن ما تم التوقيع عليه بالأمس في جدة السعودية هو التوسُط الأول من القيادة في المملكة العربية السعودية في المُشكل بين الفرقاء السودانيين بتسهيل ومساعدة الإدارة الأمريكية فلجدة سوابق في ذلك أهمها ( إتفاق جدة الإطاري) في خواتيم العام 2003م والذي تم توقيعه بين التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة مولانا / محمد عثمان الميرغني ونائب الرئيس السوداني آنذاك / علي عثمان محمد طه وكانت ( العملية السياسية) بين النظام الحاكم والحركة الشعبية وقتها قد وصلت الى محطة ( مشاكوس) أحد التخلقات السياسية لإتفاق ( نيفاشا)ولم تكن نيران الحرب قد وصلت للخرطوم كما هي الآن ولكن شرارتها بدأت في الإشتعال في إقليم دارفور ..
تغيّرات في طبيعة الصراع ..
سياق مختلف تماماً للاحداث في السودان عن الذي كانت عليه في 2003م داخلياً تغيُر اللاعبين في النادي السياسي السوداني وخارجيا بتبدل أوراق اللعبة السياسية حسب التأثير والمصالح وطبيعة وأدوات الصراع السياسي وإنتقال الحرب للخرطوم .
طرفي الإتفاق الإطاري وقتها كانوا سياسيين بامتياز مُثل فيه الجانب المعارض بثِقل التجمع الوطني الديموقراطي ورئيسه مولانا محمدعثمان الميرغني ورئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي وزعيم الطائفة الختمية بينما أوفد نظام البشير آنذاك نائب الرئيس علي عثمان محمد طه وهذا ما تبدل تماما الان بسبب تبدُل أدوات الصراع نفسها ليكون التمثيل في التفاوض من طرفي الصراع عسكري بامتياز .

تبدُل أجندة التفاوض.
بعد نحو 20 عام من تاريخ الإعلان الإطاري الأول في جدة السعودية تتبدل أجندة التفاوض من النقاش حول ( المواطنة) والتحول الديموقراطي والحريات وفصل الدين عن الدولة والنظام الرئاسي الى إعلان مباديء عام يحث الطرفين على السماح بفتح مسارات آمنه لمرور المساعدات الإنسانية والمحافظة على سلامة المدنيين وهي مسافة لم تكن مُتخيّله على الإطلاق لدى السودانيين في طبيعة خلافهم السياسي ..
طبيعة أدوات الصراع الآن قذفت باللاعبين السياسيين وأصحاب الخطط الناعمه واللعب (المهاري )الى مُدرج المشجعين والمراقبين ودفعت بلاعبي ( المجهود) من العسكر .
داخليا ً في العام 2003م كانت التأثيرات على الإتفاق الإطاري لاتتعدى ( الغيرة) السياسية من إنفراد النظام الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان بالنقاش والتفاوض حول المستقبل السياسي في السودان اما خارجيا فكانت هي السباق بين عواصم الإقليم ( القاهرة / الرياض) إيهما سيكون سباقاً لفرض الحلول للازمة السياسية السودانية إذ وقعت جدة حينها إتفاقاً ووقعت القاهرة إتفاقاً آخر وكلاهما لم يصل بالسودان لنقطة النهاية .
الحرب تفرض شروطها.
بواقع الشروط التي تفرضها الحرب وأوضاع ( الميدان) الحالية لم يكن مرجو من عملية التفاوض أكثر من الذي تم التوقيع عليه بالأمس في جدة والذي خاطب مطلوبات الشرعة الدولية للمباديء الانسانية بعكس العين التي كانت تنظر الى التفاوض بعشم مناقشة التفاصيل وإعلان وقف الحرب أو النزول لشروط ومطلوبات أحد الطرفين كل حسب تقديراته لميدان المعركة.
ماتم التوقيع عليه بالأمس لم يكن إعلاناً لإنتصار طرف على الآخر كما تقول القراءة في ردود الأفعال المتشنجة والمحبطة لدى أنصار طرفي الصراع ( الجيش / الدعم السريع) والذين أعلنا في وقت سابق تفضيل خيار الحسم العسكري على أي خيار آخر والذي شكل أكبر تشويش على إعلان مباديء جدة .
الإختبار الحقيقي لمُيسّري التفاوض ( السعودية / أمريكا) والطرفين الموقعين هو القدرة على تنفيذ ماتم التوقيع عليه حرفيا ومن ثم محاولة الإنتقال بعملية التفاوض الى سقف أعلى باعلان وقف إطلاق النار والعودة لمسار سياسي يعود بالحالة السودانية الى ماقبل 15 أبريل .

خالد ماسا / 12 مايو 2023م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى