ثقافة وفن

بين ندى ونانسي

كتب : فائز السليك

ندى محمد عثمان، الشهيرة بندى القلعة، بدأت الغناء في منتصف تسعينات القرن الماضي في وقت كان فيه بني كوز في قمة توحشهم الفكري، كانوا أعداء للفن والجمال، فحاربوا عقد الجلاد، واختفت ساورا، ولاحقوا فارس الأغنية ابو عركي البخيت، و حاربوا العظيم مصطفى سيد أحمد، بينما تعرض الحوت في تمرده الفني والاجتماعي لحصار سلطوي مقيت، وتشدد وشطط لرفضه الغناء للدفاع الشعبي والجهاد.
وفوق كل ذلك كان القوم لا يخفون عداءهم للمرأة التي تستفز بنية الوعي التناسلي فيهم، فلاحقوا الفتيات بسياط النظام العام، ولعنات المتطرفين وارهاب بعض أئمة المساجد.
في مثل تلك المناخات، لم يكن لامرأة أن تحترف الغناء علناً الا بتقديم كثير من تنازلات يصعب على الفنان الحقيقي أن يقدمها، وحتى لا يسرج البعض خيول الخيالات؛ فالقصد معايير الفن وجماله.
وكان لشابة صفيرة السن مثل ندى القلعة، أن تتخذ ( فقه التقية الفني) والتماهي مع السائد حتى تخلق فرصتها؛ لا سيما وأنها شابة متوسطة التعليم، محدودة الفكر.
لذلك لجأت لغناء ( الحماسة) على شاكلة ( دخلوها وصقيرا حام) كمقاربة لشعارات مثل ( فلترق منهم دماء، او ترق منا دماء، أو ترق كل الدماء) وأمريكا روسيا دنا عذابها، وسير سير يا بشير.
في أزمنة الهياج، وغناء الهتاف، ومشاريع اعادة صوغ الانسان جاءت ندى القلعة التي لم تسلم من سهام الصحافيين، و( مغارز رفيقاتها) فاختارت السباحة مع التيار اخراساً للألسن التي كانت تتلصص على حفلاتها الخاصة وملابسها ورحلاتها الخارجية.
ومن يعرف سيكلوجية القهر سوف يستوعب معنى تماهي سيدة مقهورة، محدودة القدرات في مشروع استبدادي معادي للابداع وللنساء.
في المقابل بزغ نجم الأميرة نانسي عجاج مع تباشير انفتاح سياسي وفكري واجتماعي عقب اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل في عام ٢٠٠٥، وشهد النظام الحاكم تراجعاً ولو تكتيكياً عن تطرفه، ومرونة نسبية مع طفرة نفطية ملحوظة.
ظهرت نانسي، ابنة الموسيقار الراحل بدر الدين عجاج، وهي خريجة احدى الجامعات الهولندية، حيث عاشت هناك سنوات صباها وانفتحت على الحضارة الغربية، فكان نتاج ذلك فنانة منفتحة، حرة، طليقة كما العصفور.
وظهرت نانسي, بشكل جديد، ( نيولوك) للمغنية السودانية فكان طبيعياً ان تتفلغل في قلوب الشباب وتصير أيقونة للشابات بمظهر المغنية الأنيقة التي غيرت الصورة النمطية للمغنية السودانية.
لذلك؛ حين نقارن الموقفين الفكري والسياسي نجد فروقاً كبيرة تشكلت بحكم التنشئة والبيئة والمستوى التعليمي ودرجات الوعي.
ندى القلعة، ليست ثورية، بل تقف على قمة التيار المحافظ، داعمة للاستبداد مع أنها كانت احد ضحاياه، مؤيدة للنظم العسكرية.
بينما تعتبر نانسي، ثورية، شاركت بقلبها وعقلها وفنها في حراك ديسمبر، بل كانت احد ايقوناته من خلال صفحتها على الفيسبوك، اغانيها، حفلانها، ومشاركتها في المواكب والمظاهرات السلمية.
لم استغرب عندما شاهدت فيديو لنانسي, تتحدث فيه عن دور الفنان في السلام، وتبدي امتعاضها عن دعوة الفنانين للحرب، واستهجنت ارتداء ( الزي العسكري) الذي يسبب ( زغللة بصرية) ولا يتناسب مع تمرد الفنان .
لست ادري ان كانت نانسي، ترد على مواقف ندى القلعة، التي تفاخر بدعمها للحرب وتباهي بموقفها المؤيد لنظام البشير.
لم اندهش عندما استمعت لعدة ثوان من تسجيل منسوب لندى ، تهاجم فيه قوى الحرية والتغيير، بلهجة خلت من حساسية الفنان ومواقفه ضد التمييز، وذلك للمعايرة بكبر السن للقادة السياسيين، وهي لجهلها لا تدرك أن من تواليهم هم الاكبر سنا، جميعهم فوق السبعين عاماً، بينما لم يبلغ كثير من قادة الحرية والتغيير الخمسين عاماً، بل أن معظمهم في سنها, وهي المولودة في السبعينات، لكنها الخفة والجهل!.
ليس غريباً على ندى، مطربة الأثرياء الجدد من الاسلاميين وضباط القوات النظامية، وشبكات رجال المال وهواة ( التنقيط)، وهذا ما حرمته منها ثورة ديسمبر، أو لكي أكون منصفاً، قل حضورها على عكس عهد البشير، مثلها مثل كمال ترباس.
ندى، ايقونة للنظام الاسلامي الطفيلي، ونانسي ايقونة للحرية والشباب والثورة والتجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى