حين اندلعت الحرب صبيحة السبت منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لم يكن أحد يصدق أنها ستستمر لأشهر، فالجميع كانوا يظنون أنها أيام وينتصر الجيش على قوات «الدعم السريع»، وروّج الإعلام المساند للجيش وقتها أنها 72 ساعة وينتهي كل شيء، لكن الأيام الثلاثة تطاولت لثلاثة أشهر، وزادت شهراً رابعاً، ولا ضوء في الأفق عن انتصار حاسم لأحد طرفي القتال.
أعلن الجيش في الساعات الأولى لبدء الحرب، أن طيرانه الحربي دمّر مقار ومعسكرات «الدعم السريع» بما فيها مقرّ السيطرة والقيادة قرب القيادة العامة للجيش، ومقار أخرى داخل وخارج وسط العاصمة الخرطوم، وقال: إن الضربة الجوية قضت على شبكة اتصالاته، ودمّرت سلسلة إمداداته، وحولت قواته متشردين يتجولون وسط الخرطوم بلا هدى أو تحكم قيادي، بانقطاع اتصالاتهم بقياداتهم العسكرية.
وفور ذلك الإعلان توقع الناس أن تنتهي الحرب سريعاً، لكن بعد سويعات اكتشفوا أن «الدعم السريع»، سيطر على عدد من المواقع العسكرية والحكومية، ومنها جزء من القيادة العامة للجيش، إضافة إلى رئاسات جهاز الأمن والمخابرات ومطار الخرطوم، وألقى القبض على عدد من كبار قادة الجيش ووضعهم في الأسر بما فيهم الرجل الثالث في الجيش «المفتش العام»، إضافة إلى القصر الجمهوري والوزارات في وسط الخرطوم، مثل الخارجية والداخلية وغيرهما، وهو ما فسره مراقبون بأن «الدعم السريع» يحتفظ بخطط بديلة للقيادة والسيطرة والاتصالات والإمداد.
الطيران الحربي
الجيش من جانبه، واصل ضرباته لقوات «الدعم السريع» التي انتشرت في مناطق واسعة في الخرطوم، مستخدماً الطيران الحربي والمدفعية الموجهة ومدفعية الدبابات وحشد قوات كبيرة قادمة من خارج العاصمة، ودارت معارك شرسة زعم كل طرف الانتصار فيها على الآخر، لكن الواقع على الأرض يشير إلى سيطرة قوات «الدعم السريع» على وسط الخرطوم وجنوبها وشرقها، ومعظم مدينة الخرطوم بحري، ومساحات واسعة من أمدرمان؛ وهو ما يقلل منه الجيش ويسميه «انتشاراً عشوائياً» وليس سيطرة فعلية.
لكن المحلل السياسي جميل الفاضل، يرى في انتشار «الدعم السريع» شكلاً من أشكال «السيطرة» المرتبطة بطبيعة حرب المدن، ويقول في إفادته لـ«الشرق الأوسط»: إنه من الملاحظ ميدانياً هناك انتشار واسع لقوات «الدعم السريع»، خاصة في مدن الخرطوم بحري وشرق النيل والخرطوم وبعض مناطق أمدرمان، ويضيف: «هو مظهر لا تخطئه العين»، ويتابع: «ومعلوم بالضرورة أن قوات (الدعم السريع) تحاصر مقر القيادة العامة ولم تعد هذه قضية محل جدل، وتطبق الحصار على منطقة سلاح المدرعات، سيما بعد إخلائها المناطق المحيطة به من السكان، واستيلائها على مصنع اليرموك الحربي وقيادة الاحتياطي المركزي القريبة منه».
ويرى الفاضل، أن حصار قيادات قوات المدرعات الذي يعتقد أن بعض الكتائب الجهادية التابعة للأخوان المسلمين والموالية للجيش داخله «واضح تماماً، بجانب الحصار الطويل لمنطقة سلاح المهندسين بأمدرمان، وعزل سلاح الإشارة في الخرطوم بحري»، ويعدّ ذلك مؤشراً ميدانياً على أن «الدعم السريع» «يحاصر الجيش» في معسكرات مهمة عدة، ويتابع: «وعلى العكس تماماً لا توجد لقوات (الدعم السريع) معسكرات أو قواعد ثابتة يمكن محاصرتها؛ فهي تقود قتال شوارع وتتحرك من منطقة إلى أخرى، ومن سيطرة و(ارتكاز) إلى آخر؛ ما يصعّب محاصرتها لأنها في حالة حركة وتنقل مستمرين».
حرب المدن
ويوضح الفاضل، أن حرب المدن وحروب العصابات لا تعتمد على «مسألة السيطرة»، بل على تكبيد العدو خسائر متسمرة واستنزافه وإرسال رسائل دعائية وإعلامية تخدم الغرض في كسر معنوياته، وأضاف: «طبيعة حرب (الدعم) ليست قائمة على استحكامات، لكنه مع ذلك يسيطر على القصر الجمهوري ومقر الإذاعة والتلفزيون وجزء من القيادة العامة، بجانب المناطق شبه العسكرية التي استولى عليها منطقة اليرموك والاحتياطي المركزي ومنطقة جياد، ومصفاة الجيلي للوقود، إلى جانب المناطق العسكرية، مثل قيادة القوات الاستراتيجية وقيادة سلاح الطيران والرياضة العسكرية».
ويوضح أن الجيش يضع يده على سلاح المدرعات وسلاح المهندسين ومنطقة كرري العسكرية بما فيها المطار الحربي بوادي سيدنا؛ ما يشير إلى هناك سيطرة متبادلة للطرفين على الأوضاع، لكن بحسابات الواقع على الأرض فإن السيطرة الأكبر تحسب لصالح «الدعم السريع»؛ إذ إن هذه المناطق محاصرة من قبل قوات «الدعم السريع» الذي يشنّ عليها هجمات متواصلة.
ومنذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، يدور قتال شرس بين الجيش قوات «الدعم السريع»، أدى إلى تشريد نحو ثلاثة ملايين شخص، بينهم نحو مليون لاجئ في دول الجوار، ومقتل الآلاف وجرح الآلاف، في الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى، لا سيما في دارفور وشمال كردفان، ولم تفلح وساطة سعودية – أميركية وأخرى بواسطة دول مجموعة «إيغاد» في وقف القتال بين الطرفين رغم توقيعهما أكثر من اتفاقية هدنة.
نقلا عن الشرق الاوسط