القصة ومافيها

النور عادل يكتب : لماذا تركت التدوين تحت “لا للحرب”؟

موقفي منذ بدأت هذه العبثية أنني ضدها كلية، وضد كل من اطلق الرصاص بادءا أو تاليا، لذلك كنت اعبر عن رفضي الشديد تحت الهاشتاق القوي (لا للحرب).
والواقع أن الأيام أثبتت صدق ما ذهبنا إليه من أن هذه حرب المنتصر فيها مهزوم والمهزوم في الأخير هو الوطن وبنيه وبنيته التحتية وانسانه المعاني منذ أكثر من ثلاثين سنة ولا زال يعاني مرارة العيش في بلد لا يزال أقنوم الجهل والتعصب والعنصرية هو المسيطر عليه بل وحتى على عقول كثير من ابناءه المثقفين. ويا لخيبة الأمل في المثقف السوداني الذي فضحته الحرب وعرته بابشع ما يكون.
لاحظت منذ بدايات الحرب أن عددا مقدرا من الناشطين يدونون تحت الهاشتاق الرافض للحرب لكن دهشت يوما وأنا أبحث عن صحة كلام منسوب لمستشار الدعم السريع يوسف عزت، أن الأخير يزيل منشوراته بالهاشتاق (لا للحرب)! ضغطت على الهاشتاق الذي قارب المليون تدوينة وعبرت سريعا على عدد عشوائي من الصفحات وكانت مفاجئة صادمة ان غالبهم منحاز لمشروع الدعم السريع الاستئصالي ويفرح بأي تقدم لمليشية الرجل الواحد، بل بعضهم لم يخفي حتى شماتته بنهب بيوت المواطنين وممتلكاتهم، لكن الاغرب هو ترميز الشماتة والفرح بالدمار بشعار لا للحرب!
زادت دهشتي وأنا عضو في مجموعة نخبة من المغتربين والمثقفين في أوربا وامريكا وهم أيضا يدونون تحت الهاشتاق ضد الحرب ولكن اغلبهم داعم نشط لاعلام الدعم السريع الحربي، وحين ترد لاحدهم بأن هذا الانحياز لا يتسق مع شعار لا للحرب يتقافز بالكلمات والعبارات ويعيد النظر كرة ويعلن خجلا ادانته للدعم السريع ثم ما يلبث أن يعود ويؤيده بفرح حال نشره أي دعاية حربية عملياتية في انفصام شديد عن الشعار، ويبدو أنه تأييد انفعالي يتسم بالشماتة ضد قيادة الجيش أكثر منه موقف وطني عقلاني يزن الأمور بميزان المصلحة العامة.
الواقع أن الناشط السياسي السوداني خاصة المقيم في المهجر منذ زمن بعيد يعاني من انفصال الواقع وتبعا لذلك ضعف تصوراته لمآلات الحرب وكارثيتها على أرض الواقع اليومي في العاصمة الخرطوم، بحري، وأم درمان، لا يزال أؤلئك النشطاء الوطنيين في خانة رد الفعل ضد الإنقاذ، فكل جرائم الجنجويد مبررة عنده بسابقة جرائم الإنقاذ، وسبق أن سألت أحدهم عن سبب قتل 11 الف من عرقية المساليت في الجنينة فكان رده سقطة انسانية في ذاتها، بأن الإنقاذ قتلت أكثر من ذلك وأن الجيش قصف مستشفى شرق النيل! نعم هذا هو التبرير المعلب الجاهز لانصار الدعم السريع والله المستعان.
منذ بدأت الحرب ونحن ننادي طرفيها أن كفوا أيديكم حتى شكك البعض في انتمائنا لوطننا وعدائنا للجيش، لكننا لا زلنا ننادي بالحل السياسي المفضي لجيش قومي واحد وحل وتسريح كل المليشيات وعلى رأسها مليشيا الدعم السريع ومليشيات الاسلاميين داخل الجيش على السواء، (مافي مليشيا بتحكم دولة) هذا الهتاف عام شامل لكل المليشيات وليس فقط الدعم، فحل مليشيا وترك أخرى محض عبث ولعب على الدقون سيفضي يوما ما إلى نفس سيناريو حرب 15 أبريل (العبثية).
لا زلنا نؤمن أن الدم السوداني واحد وكله حرام وأن الحرب لعنة وخراب ووبال لا طاقة لنا بها، لا زلنا ننادي الطرفين أن احقنوا دمائكم ووفروا ذخائركم للعدو الخارجي المتربص ولكن لا حياة لمن تنادي.
ولكن لعله خير أن اندلعت الحرب الان ليرى الشعب بعينيه الحقيقة المجردة للعسكرية بعيدة عن الديمقراطية والنهج المدني والقرار الوطني المستقل، لعله خير أن رأى المواطن مدى سوأة الدعم وعنفه وحقده على المواطن الذي يملك سيارة أو منزل جميل. ليرى تفلتات عناصر الجيش الوطني في كرري الثورات، وتصفية حسابات اسلاميي الجيش مع المختلفين سياسيا معهم بالاعتقال التعسفي والشبهة، لقد اضحى المواطن في نظر الطرفين عدو حتى تثبت براءته المختومة بوسوم التعذيب على جسده وروحه، فأي وطن هذا الذي نحلم به أن يستقر أو يتحد.
لقد بات يقينا عند كل عاقل سوي أن لا مستقبل للدعم السريع سوى وبقية المليشيات سوى الحل ولا مستقبل للعسكر إلا الثكنات. ولا يزايد علينا مراهق أو مستجد معبأ ايدولوجي بمعاداة الجيش، فخير النصيحة ما كانت صريحة صادقة، فيها أيها الجيش حرر نفسك من تسلط الحركيين والمتأسلمين، وستجد شعبك من وراءك من كل فج شرقا وغربا شمالا وجنوبا وفي المهجر والإغتراب في ركابك. سل نفسك أيها الجيش لماذا انحازت بعض الادارات الاهلية في دارفور للدعم؟ حقق، دقق، محص، ما الذي جعل ادارات طوال تاريخها القديم والحديث هي سند دائم للدولة والجيش، تنقلب بغتة وتنضم للدعم؟! وإذا رضيت بالاجابات الباردة الجاهزة لاعلامي الضلالة فستظل الساقية تدور والحرب مستمرة ولن تعدم مقاتلين جدد من حواضن اهلية فشلت انت في مجرد الاجابة على السؤال لماذا انقلبت عليك؟
كل من يفرح بالموت والدمار خاصة المثقف السوداني فليراجع انسانيته، ودينه وثقافته، فهذا عين الهراء والنفاق أن تدون بلا للحرب وانت تقفز فرحا برؤية رباعيات الدعم السريع تقتل الناس في الجنينة وكل مكان وتصر على تصديق الكذبة أنهم طلاب الديمقراطية عبر فوهة البنادق. هؤلاء قوم يهدمون بنيانهم بأيديهم ثم لا يبالون، فعن أي ديمقراطية يتحدثون بربكم؟!
إن الحرب لابد لها أن تتوقف بأحد السيناريوهات، اما نصر لاحد المقاتلين على الاخر، أو بالتفاوض كالعادة في كل حروب السودان السابقة. لكن المؤكد أن نارها واثارها الإجتماعية في البيت السوداني لن تتوقف وسنشهد ارتدادات اجتماعية اثنية ستكون سببا للتفكك حتى على مستوى الأسرة وليس فقط الدولة. فاذا لم يتحرك العقلاء والحادبون وينأوا عن ترديد أغاني الحرب المضللة المهيجة للحماس والمعززة للغباء العام فسنعض اصابع الندم ولا شك ذات صباح ونحن دويلات يحكمنا مغول جدد عند السادة من خلف البحار وهذا موضوع يطول.
ليت الجيش لو تعلم الدرس من هذه الحرب القميئة ليته، فلا يسمح بعدها بتكوين أي مليشيا ولا يعطي أي جماعة أدنى أمل في انشاء مليشيا، على الجيش أن يقوم بواجبه في الدفاع عن الوطن والمواطن وليس عن قيادته ولا عن طموحه السياسي للصدارة، أما كفى كل هذا العبث؟! ليته لو يعبث بأي شيء إلا الأمن القومي العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى