ثقافة وفن

قونات الحرب لماذا ؟ …حكايات من غرف السيطرة


علي أحمد / Suda2day
مع اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي ، لاحظ السودانيون وتابعوا وقوف معظم المُغنيات ولنقل الأدق لتوصيفهن – القونات كما يُعرف شعبياً – مع خيار الحرب ودعم استمرارها مُردداتٍ بصورة جماعية ( بل بل وغيره مافي حل ) ورافضاتٍ لإحلال السلام والتفاوض على انهاء معاناةِ ملايين السودانيين والذين يعدون جمهورهم بالأساس ، وإنه لشيء غريب يخالف الفطرة السليمة للفنانين والمبدعين إن اعتبرنا هذه النماذج تملك حساً إبداعياً ، فالفنان مَعروفٌ بحسه الإنساني العالي وحساسيته المفرطة وعاشقٌ للجمال والحياة ومُحبٌ لكل القيم السمحة .


وفي صعيدٍ اخر مرتبط بالفنان نفسه فإن مصالحه ترتبط بالإستقرار والرفاه وتقدم المجتمعات حتى تطلب خدماته ويقدم رسالته ومشروعه الفني المبني على مخاطبة الجمهور على اختلافه وتنوعه ، وفي حالة الحروب تختلف أولويات الناس فهم ينشغلون بالبحث عن النجاة والملاذات الآمنة وإعادة ترتيب احتياجاتهم بالبحث عن مطلوبات الحياة الضرورية وبالتالي يبتعدون عن مباهج الحياة ومن بينهما الغناء والطرب ، ليبرز سؤال مالمصلحة التي يجنيها مثل هذه النماذج من الفنانين والفنانات من دعم خطاب الحرب والموت والدمار ؟
الحرب أيضاً تغير سلوك الإنسان وفطرتهِ ورؤيته للعالم والحياة بصورةٍ عامة وتصل مرحلة أن تكون كليةً وأول من يسقط من ذاكرته هو الفنان بسبب الظرف الذي يمر به ، أو لمواقف الفنان من معاناتهِ ومشاكله والمهددات التي تحيط بحياته ومعيشته ، وقد يُجادل شخص ما أن هذه رؤية الفنانة ( القونة) ولكن ( القونات) في السودان معروفاتٌ لأهل السودان وجمهورهم بضعف التحصيل المعرفي وغياب الرؤية حتى في مشاريعهن الفنية التي يعرضنها ويقدمنها ، وليس لديهن مشروع للتغيير الاجتماعي يمضي و يقود إلى تحقيق السلام والتعايش السلمي وبث رسائل المحبة والمودة بين جمهورهن المتنوع ، وكل همهن ينحصر في الحصول على ( العدادات ) وجني المال والإهتمام بمظهرهن وشكلهن إما بعملياتِ التجميل أو الإكثار في المكياج والألوان الصارخة في الأزياء وحتى اختيار أنماط كلماتٍ لأغانيهن مثيرةٍ للجدل وتمضي نحو توجيه رسائل شخصية بينهن أو إرسالها لإطرافٍ أخرى داخل الوسط الفني .


وبالتالي من المستحيل أن تتفق مجموعة كاملة مثل ( القونات) على موقفٍ سياسي واحد مالم يكن هناك شخص أو مجموعة ما تقف في الخلف وتحرك المشهد وتقوم بتوجيهن من وراء الستار وترسم لهم اختيار مواقف معينة تخدم توجها ما وهو ماظهر في مواقف ( القونات) الداعمة للحرب وهجوم احداهن على قوى الحرية والتغيير مثلاً وحديثها عن منعها من الغناء ووجود مشروبات كحولية في المكان ،وهي تعلم تماماً مع من كانت ومن يشرب الكحول ومن الذي طلبها ومن الذي رفض أن تغني لعدم اعجابه بغنائها وقطعاً لم يكن من بينهم شخص من الحرية والتغيير وهي تعلم من قدم لها الدعوة ومن ارسل لها تذاكر الطيران وحجز لها الغرفة ، ثم حول مكان اقامتها إلى فيلا صغيرة لـ( تأخذ راحتها ) و ( يأخذ راحته) أيضاً هي تعلم ذلك جيداً لكنها طبعاً قونة عابرة للحدود وصاحبة تجارب ويعلمها ( الشريف ) و( الوضيع ) أيضاً .
قبل أيام ٍ ومع تبدل الأوضاع والمواقف السياسية اسئناف التفاوض ، غيرت إحدى ( القونات ) مواقفها من ( بل بل مافي غيره حل ..تاح تاح تُحسم بالسلاح ) إلى موقفٍ يحكي عن التعب والمعاناة والشقاء من الحرب ، انقلبت القونة على عقبيها من موقف دعم الحرب وهو مايؤكد أن توجيهاً ما أو رسالةً ما أو أمراً ما وصلها بتغيير الموقف ، مع أنه حق مكفول لها في اتخاذ ماتراه مناسباً من المواقف ولكن انعكاس مواقفها ونتائجها يجب عليها تحمله واحتماله بدل الشكوى والبكاء على اللبن المسكوب في دماء الأبرياء ومن بينهم بالطبع جمهورها .
هذه الظاهرة جديرة بالدراسة والاستقصاء فالأجهزة الأمنية وبخاصة الاستخبارات العسكرية ليست بعيدة مطلقاً عن هذا الملف وإدارته وتوجيه ( القونات ) واللائي لكل منهن ملف و( حاجات ممسوكة عليها ) سواء صورة وصوت أو مستنداتٍ وأشياءٍ أخرى ( حامياني الكلام والتصريح ) يستخدمهن بها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية وهو تكتيك معروف لدى الأنظمة الشمولية والعسكرية بالسيطرة على نجوم المجتمع الفني والغنائي والوسط الفني عموماً ولا يفلت من ذلك إلا أصحاب القيم والمبادئ والأخلاق العالية والإنسانية ، ويتم استخدام الفنانين لتشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي من قبل الأجهزة الأمنية لتوجيه الرأي العام لخدمة أهداف النظام الشمولي كما ظل يفعل نظام الإنقاذ والإسلاميون وأجهزتهم الأمنية طيلة سنوات حكمهم ومابعد سقوط نظامهم .
هذا النموذج كان موجوداً لدى الجارة في شمال الوادي مصر والتي كان فيها وزير الإعلام والمرتبط بالمخابرات المصرية ( صفوت الشريف ) يقوم بأدوارٍ سيئةٍ في جلب الفنانات والمغنيات للمسؤولين الحكوميين والتنفيذيين بدءً من رأس الدولة وحتى ضباط المخابرات والعسكريين الكبار ، وكشف تقارير صحفية وشهاداتٌ بعد سقوط نظام حسني مبارك فضائحه الجنسية ولعبه دور القواد كما وصفته المنتجة ال( اعتماد خورشيد )سينمائية في لقاءات صحفية خلال السنوات الماضية وشهادات أخرى كشفت الأدوار التي كان يقوم بها في عهد ذلك النظام .
هذا النموذج بأي حال من الواضح أنه نُقل إلى السودان عبر نظام الإنقاذ وحزبه المحظور ، فلم يكن الإسلاميون أفضل حالاً من أي نظامٍ شمولي وسلطةٍ ديكتاتورية لكن حرب 15 أبريل كشف بصورةٍ واضحة أن معظم ( القونات ) تحت سيطرة دوائر الإسلاميين في الأجهزة والعسكرية وما مواقفهن وظهورهن في مقاطع فيديو واغاني وآرائهن على مواقع التواصل الاجتماعي إلا دليلٌ دامغ أنهن أدواتٌ تحت خدمتهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى