تقارير سياسية

التعديل الوزاري للبرهان ..معركة كسب الزمن .. امتصاص غضب حلفاء جوبا .. هشام أبوزيد وزير ( التزوير )


بورتسودان : أنس عبدالوهاب / Sudan2day
في الوقت الذي كان فيه جميع السودانيين ينتظرون قراراتٍ من القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بإقالة الضباط الإسلاميين في المؤسسة العسكرية الذين يرفضون مسارات التفاوض بمنبر جدة ، ويهددون عبر مجموعاتهم الإعلامية بإزاحتهِ عن منصبه ، تفاجئوا بظهوره في مكانٍ اخر بكلٍ من قاعدتي وادي سيدنا والأمير عثمان دقنة العسكريتين مرسلاً رسائل تحمل تناقضاتٍ بائنة على الرغم من تقديمه لخيار تحقيق السلام ، ووفقاً لمراقبين فإن هذه الخطوة كانت لإمتصاص الرأي العام داخل الجيش أكثر من كونه ساعياً إلى المضي بوضوحٍ في مسار الاتفاق النهائي على وقف إطلاق النار والتوصل إلى انهاء الحرب تماماً وخروج العسكريين من العمل السياسي في المرحلة التالية والأخيرة لمساراتِ منبر جدة ، وقابل السودانيون هذه القرارات بفتورٍ شديد وسخريةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي .


تكتيك مكشوف
لم يكتفي البرهان بظهورهِ مرتين لحماية موقعه في القوات المسلحة من تحركاتِ الإسلاميين وإنما استخدم تكتيكاً مكشوفاً ظل يعمل بهِ طيلة الثلاث سنوات الماضية وهو اتخاذ قراراتٍ ومواقف تخالف ما يُعبر عنه إعلامياً ، بمجردِ وصوله إلى بورتسودان أصدر قرارات بإقالة الوزراء المكلفين بمهام الوزارات واجرى تعيناتٍ جديدةٍ ،و وجه الأمين العام لمجلس الوزراء عثمان حسين عثمان – المكلف بمهام رئيس مجلس الوزراء ووزير رئاسة شؤون مجلس الوزراء منذ استقالة رئيس مجلس الوزارء عبدالله حمدوك – بتنفيذ هذه القرارات ، وهي تعديلات وزارية لا تعبر عن أي شيئ منطقي وفقاً لتعليقاتِ مراقبين وصحفيين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ، واتفقت الآراء أنه في الواقع لا توجد وزاراتٌ تعمل ولا حكومةٌ معترف بها لا محلياً ولا اقليمياً ولا دولياً منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وانتجت الحرب الجارية حالياً وضعاً دستورياً وسياسياً مختلفاً في ظل انهيار جهاز الدولة التنفيذي وتعطل الخدمة المدنية تماماً ، خاصةً مع تكدس شاغلي مناصب الوزارات بدون عملٍ في مدينة بورتسودان دون أعباءٍ حقيقية ومهام دستورية وتنفيذية وبعض الوزراء موجودون خارج البلاد بالفعل وعقد بعضهم اجتماعاتٍ خارج البلاد مثل اجتماع وزارة الصحة بالقاهرة في يوليو – أغسطس الماضي .

المناورة وكسب الزمن
ويُلاحظ أن التعديلات الوزارية هذه لم تَمس وزارء الحركات المسلحة المتحالفةِ مع قائد القوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان والإسلاميين والمتوزعين مابين الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني و الجبهة الوطنية السودانية برئاسة ترك ، وهو مايعني أن البرهان يسعى إلى المناورةِ وكسب الزمن والحفاظ على تحالفاتهِ مع الطرفين حال انقسامها واللعب على المتناقضات وتضارب المصالح بين الطرفين ، والاحتفاظ بالصلات الوثيقة مع الإسلاميين عبر إعادة تدوير موظفي الدولة المنفذين لمصالحه والمرتطبين بالإسلاميين والذين يدينون أيضاً بالولاء للجيش .
وزراء جبريل ومناوي
وبخلاف المتوقع من نتائج اجتماع جوبا ( العاصف )لأطراف العملية السلمية والذي أحدث تبايناً للمواقف بين الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية بالكتلة الديمقراطية ، لم يُجري البرهان تغييراتٍ في عضوية مجلس السيادة أو الوزاراتِ بشكلٍ كامل كما طالب كلٌ من التوم هجو ومحمد سيد أحمد الجكومي ، واللذان سعيا إلى تنفيذ البرهان قراراتٍ بإزاحة جميع الحركات المسلحة ، لأن عينهم توجهت نحو أن يتم تعيينهم في مجلس السيادة والدفع بمرشحيهم في الوزارات وهو ما فعل البرهان عكسه تماماً ، بإقالته فقط لوزير الثروة الحيوانية ( حافظ عبدالنبي ) رئيس التحالف السوداني – الذي كان يقوده والي غرب دارفور الراحل خميس أبكر – واتخذ البرهان هذا القرار بناءً على مواقف الوزير الرافضة للحرب وتعاطيه الإيجابي مع الاتفاق السياسي الإطاري كمرجيعةٍ سياسية للمرحلة المقبلة ما بعد الحرب ، وأيضاً لإعتقادٍ يحمله أنه مقرب من قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي .
فيما لم تمس قرارات البرهان وزير المالية جبريل إبراهيم ووزير الشؤون الاجتماعية التابع لحركتهِ ولا المسؤولين الحكوميين التنفيذيين الممثلين لحركة العدل والمساواة ، ومعلوم اقالة جبريل إبراهيم ظلت مطلباً شعبياً منذ انقلاب 25 أكتوبر ولكن التحالف بين البرهان وجبريل ومناصرة الأخير له على الدوام جعله يحتفظ لحليفهِ بكامل حصته في المقاعد الوزارية والتنفيذية .
إقالة وزير النقل
قرارات البرهان طالت وزير النقل والبنى التحتية هشام علي أبوزيد ، وهو الوزير الذي لديه قصصٌ تروى في الفساد الإداري والمالي وعقد الصفقات غير القانونية باسم الوزارة تنفيذاً لمصالح العسكر والانقلابيين وفلول النظام البائد عبر منصبه ، وكان يشغل منصباً تنفيذياً بالوزارة في عهد وزير الدولة السابق هاشم ابنعوف وعقب الانقلاب تم تعيينه وزيراً مكلفاً ، وكشف التحقيقات الإدارية والجنائية أنه لا يملك شهاداتٍ أكاديمية جامعية وسبق أن فُصل قبل عشر سنواتٍ من شركة زين للإتصالات لفشله في إحضار شهاداتهِ الجامعية التي لايملكها أساساً ، بعد أن منحته الشركة ستة أشهرٍ كاملة فشل خلالها في الإيفاء بذلك ، واحضار شهاداتهِ الأصل ، يذكر أن عضو المجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر التقى الوزير المكلف المقال هشام أبوزيد علي في 7 أكتوبر الماضي ببورتسودان واطلع على تقارير عمل الوزارة .
هشام أبوزيد والتزوير
وفي فبراير الماضي خاطبت النيابة العامة مجلس الوزارء لرفع الحصانة عن الوزير المكلف هشام أبوزيد لمحاكمته بتزوير شهاداتهِ الجامعية وكان مدير مصلحة الملاحة النهرية خاطب جامعة النيلين لتأكيد صحة ِشهاداته والتي اتضح أنها مزورة ، وردت الجامعة في 7 ديسمبر 2022 أنه لم يكن من خريجيها والشهادة الصادرة عنها ليست صحيحة ، وشكل الوزير المكلف المقال وقتها لجنة تحقيقٍ مع مدير مصلحة الملاحة النهرية لإخفاء هذه القضية ولكنه لم ينجح ، والجدير بالذكر أن هشام علي أبوزيد كان أحد موظفي والي ولاية الخرطوم عبدالرحمن الخضر في عهد النظام المخلوع .
وزارة النفط
القرارات التي اتخذها البرهان شملت وزير الطاقة والنفط محمد عبدالله محمود ، والذي كان بالإساس مديراً للمكتب التنفيذي لوزير الطاقة والنفط الذي أطاح به انقلاب 25 أكتوبر واستمر محمد عبدالله محمود في منصبه منصاعاً للانقلاب والعسكر والإسلاميين ، وتم تعيين بديل له محي الدين النعيم محمد سعيد وهو أحد المنتمين للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول وقبل تعيينه في منصب الوزير المكلف ، كان يشغل مديراً لمركز التدريب النفطي بالوزارة .
إمتصاص غضب الحلفاء
مع اقالة وزير الطاقة والنفط اتخذ البرهان قرارات، تم عدها إمتصاصاً لغضبةِ حلفاء اتفاق جوبا بإقالة وزراء مكلفين اخرين مثل وزير التجارة والعمل والإصلاح الإداري ، وحلفاء البرهان من اتفاق جوبا لسلام السودان وهم الذين خانوا ثورة ديسمبر المجيدة وحلفائهم فيها بالدعوة للانقلاب وانتظروا قرابة سنتين لتشكيل حكومةٍ يكونون فيها الناهي والآمر وهو مالم يتحقق لعوامل كثيرة منها المقاومة السلمية والسياسية لانقلاب 25 أكتوبر .
وبرز سؤال لدى الرأي العام عن جدوى هذه القرارات والتعديلات الوزارية ، في الوقت الذي ينتظر فيه المدنيون العودة إلى منازلهم وتوفير التعويضات عن مالحق بهم جراء الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ، في المقابل يقاتل البرهان على عدةِ جبهاتٍ عسكرية ومدنية دون حلفاء فعليين ، وانما حلفاء يبحثون عن مصالحهم ومغانم لم يتحصلوا عليها وليست موجودة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى