تقارير سياسية

خطاب حميدتي.. مخاوف من “توسيع رقعة الحرب” وشكوك بشأن مسار السلام

بورتسودان-خالد عويس

حمل خطاب قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي استغرق نصف ساعة، الخميس، رسائل سياسية وإشارات بإمكانية “توسيع رقعة الحرب” الدائرة منذ أبريل الماضي، وسط تصاعد “الشكوك” بشأن إمكانية اتجاه السودان الذي لم تفارقه الخلافات السياسية منذ سنوات إلى “سلام دائم”

وبعد ساعات من إعلان عدد من الحسابات التابعة للدعم السريع على منصتي فيسبوك وX (تويتر سابقاً)، عن خطاب مرتقب لـ “القائد” و”الأمير” كما أطلق عليه مؤيدوه، خرج حميدتي في خطاب طويل عرّج خلاله على أحداث تلت الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو "حميدتي" في كلمة له. 2 نوفمبر 2023 - twitter/RSFSudan

وفي الخطاب المسجل الذي قالت قوات الدعم السريع إن تصويره تم أثناء تخريج متدربين تابعين لها في الخرطوم، الخميس، بدا حميدتي خلال الخطاب بصحة جيدة على عكس ما أشيع عن إصابته مرات عديدة خلال الحرب المستمرة منذ قرابة 7 أشهر.

لكن نشطاء في منصات التواصل الاجتماعي رأوا أن الفيديو غلبت عليه اللقطات المصنوعة، كما كذّب هؤلاء وجود حميدتي في الموقع ذاته الذي ظهر فيه المئات من عناصر قواته، فيما ذهب آخرون للقول إن من ظهر في الفيديو هو محض “ذكاء اصطناعي” مرجحين “موت” الرجل.

وجاء خطاب حميدتي بعد أيام من بدء محادثات جديدة في مدينة جدة بين وفدي الجيش والدعم السريع، وسط آمال بأن تُحدث الوساطة السعودية الأميركية اختراقاً في موقف الجانبين، لطي صفحة الحرب الدامية، والانخراط في إجراءات من شأنها وقف القتال وانسياب المساعدات الإنسانية، واستئناف الحياة الطبيعية مجدداً.

“أخطاء البرهان”

وعدد حميدتي خلال خطابه ما قال إنها “أخطاء” وقع فيها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائلاً إنه “أتى لمنصب الرئاسة محمولاً على ظهر الإسلاميين”، راهناً موافقته على السلام بأن “يجنح الجيش السوداني لسلام حقيقي وألا يستغل ذلك للاستعداد لحرب أخرى”.

 ولفت حميدتي إلى أن “كل الأنظار الآن موجهة إلى مفاوضات جدة. ونحن مع السلام، ولكن ليس سلام الكذب”.

وتابع: “ليست عندنا أي مشكلة في السلام، فإن جنحوا للسلم فاجنح له، لكننا نريد السلام الحقيقي، وليس السلام الملتوي”. واستطرد مخاطباً قائد الجيش: “لن نقبل أي سلام يتيح لك إعادة تجهيز نفسك لأجل حرب جديدة”.

وقال نصر الدين وهو رجل أعمال شاب لـ”الشرق”، إن “السودانيين كانوا بانتظار خطاب يحمل آمالاً أكبر في السلام، ويستعرض محادثات جدة داعماً اتجاه التسوية” لكنه أضاف: “حميدتي مال في خطابه لتجريم البرهان والحديث عن التاريخ، فيما أعين الناس مصوّبة تجاه المستقبل”. 

نبرة الإحباط هذه لدى رجل الأعمال الشاب الذي فرّ من الخرطوم إلى بورتسودان، هي ذاتها التي خرج بها آخرون من الخطاب الذي أبدى فيه حميدتي أسفه على الدمار الذي حاق بالبلاد والنزوح والتشريد الذي اُضطر إليهما ملايين السكان، مشيراً إلى أن قواته لم تكن مستعدة لخوض حرب مدن، غير أنها اكتسبت خبرة كبيرة بعد 6 أشهر من الحرب.

وكان لافتاً تركيز حميدتي الكبير على نقد “التيار الإسلامي” في السودان وتحميله المسؤولية ما حدث، مشيراً إلى أن وزير الخارجية السابق، علي كرتي، الذي طالته مؤخراً عقوبات أميركية، “يؤدي دوراً محورياً في القتال الحالي”. 

وذكر حميدتي أن قواته “حققت انتصارات كبيرة في دارفور وكردفان”، وهو الأمر الذي يراه مراقبون باعثاً على مخاوف بشأن وحدة البلاد مستقبلاً، لكن مناصرين للدعم السريع لا يرون أن خطاب قائده حمل أي إيحاءات بشأن خطط للاستقلال بدارفور وكردفان.

وصف الصحافي والمحلل السياسي السوداني حافظ كبير، الخطاب بـ”المختلف عن الخطابات السابقة”، وقال إن “الرجل يبدو واثقاً وهادئاً، ولأول مرة يتحدث عن تشكيل إدارة مدنية في أماكن سيطرة قواته، وترك للمواطنين في هذه المناطق أمر اختيار هذه الإدارة بشرط ألا يكونوا من النظام القديم”.

وأشار كبير لـ”الشرق”، إلى أن “حميدتي يرتب أوضاعه بعيداً عن النقاش الذي يدور في جدة”، معتبراً أن “السلام الذي سيوافق عليه هو سلام حقيقي، وليس تكتيكاً من أجل الحشد والتعبئة والاستعداد مرة أخرى للحرب”.

وذكر كبير أن “الحرب دخلت مرحلة جديدة بقرار الدعم السريع إحكام السيطرة على الولايات وتشكيل إدارات مدنية فيها، بعد أن كان يحاصر الفرق العسكرية”، مضيفاً أن “هذا يعني أن التعويل على الحسم العسكري هذه المرة من قبل الدعم السريع، الذي ظل يتبنى خيار التفاوض حلاً للصراع”.

وقالت طبيبة أسنان وناشطة في مؤازرة للدعم السريع على فيسبوك عرّفت نفسها بـ”ش”، لـ”الشرق” إن “الخطاب أظهر تركيز قائد الدعم السريع وانتصاراته وازدياد أعداد قواته وعتاده وتوسعه في الأرض، وتأهبه لمرحلة جديدة”.

“الاتجاه الخاطئ”

على النقيض من ذلك، رأى المتحدث باسم التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، محي الدين إبراهيم، أن “الخطاب خيّب الآمال”، لافتاً إلى أن الشعب السوداني “ظل ينتظر تأكيدات حميدتي لإخراج قواته من المنازل والمرافق الحكومية والالتزام بما جاء في اتفاقية جدة”.

وأضاف إبراهيم لـ”الشرق”، أن “حميدتي لو ذهب في هذا الاتجاه كان سيضع نفسه في موضع الثقة وتحقيق سلام حقيقي”، معتبراً أن “ما ذكره حميدتي بأن الاتفاق الإطاري هو السبب الرئيسي في اندلاع الحرب فرية لن تنطلي على الشعب”، في إشارة إلى الاتفاق المبرم بين الجيش السوداني وأطراف مدنية في ديسمبر 2022.

وأشار إبراهيم إلى أن “الاتفاق الإطاري” صُمِّم “ليقود لانقلاب ضد القوات المسلحة وليعيد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى السلطة”، وأردف: “عندما باء كل ذلك بالفشل توجه لخوض حرب العصابات وشراء مرتزقة والاستعانة بقوى أجنبية. عليه إن أراد سلاماً حقيقياً أن يلتزم بما تم الاتفاق عليه في جدة”.

ورأى القيادي السابق في قوى الحرية والتغيير والرئيس السابق للمكتب السياسي لحزب التحالف محمد فاروق سلمان، أن قائد الدعم السريع “يسير في اتجاه خاطئ لحركة التاريخ”.

وذكر فاروق على فيسبوك، أن حميدتي “أعاد إنتاج كل خطابات الإسلام السياسي، وخطاب المظلومية التاريخية للشعوب السودانية، وهو لا يعبأ إلا بالمستقبل الذي تشكله قوته وحدها”، مستبعداً أن تكون الحرب “قد كشفت عن وجهها بأكثر مما حمله هذا الخطاب لقائد الدعم السريع، ليقف بين الناس قائلاً إن العنف لا يحتاج إلى عقيدة أو أيدولوجيا”.

أمجد فريد، المستشار السابق في مكتب رئيس الوزراء السوداني سابقاً عبد الله حمدوك، اعتبر أن حديث حميدتي “لم يحو جديداً”، وقال: “يكرر نفس الأكاذيب والسردية المغايرة للواقع التي تهدف المليشيا وحلفائها لتثبيتها عبر إعادة تكرارها ومحاولة تبني خطاب حداثي يغطي على الجرائم التي ترتكبها المليشيا على أرض الواقع”.

توسيع رقعة الحرب

وأشار فريد إلى أن “الخطاب يرمي إلى رفع الروح المعنوية لعناصر الدعم السريع”، لكن المحلل السياسي السوداني، محمد جميل أحمد، أوضح أن الخطاب “يأتي في توقيت حرج من عمر الحرب التي تدخل شهرها السابع في السودان، وفي ظل محادثات منبر جدة التي تجري هذه الأيام”.

ولفت أحمد في حديثه لـ”الشرق”، إلى أن أبرز ما يمكن رصده في الخطاب هو التطرق لـ”مرحلة حرب المدن التي ربما تعكس إرادةً لتوسيع رقعة الحرب باتجاه ولايات الشرق والشمال”، مرجحاً أن تكون تصريحات حميدتي ربما هدفت للتلويح “برفع سقف التهديد من أجل التسريع بخطى الاتفاق السياسي أكثر منها تهديداتٍ حقيقية”.

وألقت عمليات الدعم السريع في دارفور وغرب كردفان ظلالاً من الشك على الرغبة في المضي قدماً في محادثات جدة الهادفة لإنهاء الحرب في السودان. 

وعلمت “الشرق”، أن قيادة هذه القوات تلقت تحذيرات غربية من الاستمرار في فتح جبهات قتال جديدة، لا سيما في دارفور، بعد إعلانها السيطرة التامة على مدينة نيالا، جنوب دارفور، وزالنجي وسط دارفور، واستعر القتال في الفاشر، شمال الإقليم.

نقلا عن الشرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى