إلى القارئ الكريممقالات

هشام عبد الملك الجزولي يكتب : المخلوع عمر حسن أحمد

لم يتعرض رئيس سوداني في تاريخ البلاد، لعدم احترام وقلة قيمة، مثلما تعرض له المشير المخلوع عمر حسن أحمد، سواء كان على مستوى المنطقة العربية أو على مستوى العالم.. وكان الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، متخصصا في إهانة رئيس السودان لدرجة قف تأمل، كما يقولون، بالرغم من أن مبارك نفسه، عليه رحمة الله، لم يسلم من طول لسان شعبه.. ولكن، هذه تفرق عن تلك!!
البداية الحقيقية لغضب الرئيس المصري، جاءت مع محاولة اغتياله في عام 1995، عند ما أشار عليه أركان حكمه بعدها، باحتلال مثلث حلايب الحدودي.. فقد وصف مبارك تلك اللحظة المؤلمة بطريقة فيها كثير من الاستخفاف برئيس السودان!! فقال: “أنا بعت لهم كتيبة مظلات خلصت الموضوع، راح البشير ناشر دفاعات في بورتسودان!! آل إيه، مصر عاوزة تاخد بورتسودان!! هاعمل بيها إيه، اللي عندي مكفيني!!”
تخيل، رئيس دولة تدخل قوات أجنبية إلى أراضي بلاده، فينشر قواته على بعد عشرات الأميال من قوات العدو، وهاك يا أناشيد حماسية، بينما رئيس الدولة المعادية يقول بكل سخرية “رميناهم برة”، ولا يرد عليه أحد، حتى ولو بالكلام!!
وفي تطور لاحق، أعلن التلفزيون السوداني، أن عمر حسن قرر زيارة حلايب، وأذاع لقطات لطائرة مدنية تقلع، وأخرى تحط.. فالتقط ضباط الجيش المصري النبأ العظيم، وسألوا مبارك في لقائهم معه، عن ما تعنيه تلك الزيارة، فرد عليهم، وهو يبتسم في سخرية، “البشير مازارش حلايب..ده جاء إتفسح جنب الحدود كده ورجع!!” يا الله، رئيس دولة لا يجرؤ على أن يضع قدمه على جزء من تراب بلده، ثم يدعي زورا وبهتانا خلاف ذلك؟ ولم ينف إعلام عمر حسن كلام الرئيس المصري الذي كان مذاعا عبر جميع القنوات التلفزيونية المصرية!!
وفي لقاء لاحق، قال مبارك في إيجاز صحفي عقب لقائه مع عمر حسن، بشأن مداولاتهم بخصوص حلايب: “البشير قال لي إنو رايح يمسح الحدود باستيكة، قلت لو إمسح يا أخويا إمسح!!” وكان ذلك كل ما قدره عليه الله!!
أما ثالثة الأثافي، فقد كانت عندما أعلن عمر حسن، أن الطائرة التي ضربت مصنع الشفاء، جاءت من مصر، وأنها إخترقت حاجز الصوت فوق بربر، ونسب القول للطيارين الحربيين السودانيين، وتلك كانت هي الكارثة الحقيقية!! فخرج عليه مبارك، وهو طيار حربي، يعرفه جيدا أهل الجزيرة أبا، وعنفه بقوله: “هو إيه ده يا بشير؟ هي الطيارة لمن تكون مسلحة، برضك بتخترق حاجز الصوت؟؟”، وربما كان ذلك هو الفهم الذي إستمد منه اللنبي المدد في قصة الطيار الذي طفى النور!! فالناس على دين ملوكهم!!
وفي رده على عمر حسن، عندما أنكر وجود خمسة ملايين سوداني في مصر، قال له: “طيب خدهم عدهم ورجعهم تاني!!” وبهذه المناسبة، ليت البرهان ياخدهم، ويعدهم وما يرجعهم تاني!! ويعود بالتالي الاستثمار العقاري السوداني من مصر إلى أرض الوطن..
لكن أعظم الإهانات، ساهم فيها تلفزيون السودان أثناء زيارة مبارك للبلاد، حين وافقوا في بلاهة لا مهنية ولا وطنية، على إعطاء التلفزيون المصري الخط، ليبث من خلاله عبر كاميرا وحيدة كانت منصوبة خلف عمر حسن، وموجهة نحو حسني مبارك الذي كان يجلس مع أعضاء وفده في الجهة المقابلة، لدرجة أنهم نقلوا خطاب عمر حسن بواسطة تلك الكاميرا، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء أخذ الإشارة من تلفزيون السودان، فخرج صوت عمر حسن، والكاميرا تلتقطه من (قفاه)، بينما يظهر حسني مبارك بوجهه في الكادر!!وما خفي أعظم.. فالكلام الذي قيل له في الجلسة السرية لجامعة الدول العربية، أثناء مداولات موضوع القوات الأمريكية كان كافيا لأن يتخذ قرارا تاريخيا بالخروج من تلك المنظمة غير المحببة لنفوس الشعب السوداني، ولكن من يهن يسهل الهوان عليه.. فقسما بالله العظيم، ما كان أحدهم ليجرؤ على أن يتلفظ بتلك الألفاظ أمام جعفر نميري!!
هل عرفتم لماذا يحتقرنا المصريون؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى