خارج الصندوق

عبد الباسط سر الختم يكتب : تحالف ق ح ت : بين الأهداف المرحلية والرؤية الاستراتيجية

تحالف قوي الحرية و التغيير ونحن نكتب هذا التقييم والمراجعات لنقارب بين أصحاب الحالمون الذين يرون إمكانية أن تعبر هذه القوي مجتمعة لتصل الي تحالف انتخابي مابعد المرحلة الإنتقالية ورؤية أخرى ترى أن التحالف قد أنجز مطلوباته بسقوط النظام

1

الداعي التاريخي والموضوعي لقيام تحالف قوى الحرية و التغيير نجد أن التحالف شمل كافة قوى العمل السياسي (أحزاب وحركات شبابية) بالإضافة لمنظومات العمل المدني والنقابات المهنية و بعض حركات حركات الكفاح المسلح (الجبهة الثورية) هو وحدة الرؤية المرحلية وعجز هذه المكونات لإنجاز هذه الرؤية منفردة
هذه المكونات دخلت التحالف عبر تحالفات أخرى كونتها ظروف تأريخية محددة كقوى الإجماع الوطني ونداء السودان بالإضافة للتجمع الاتحادي المعارض وتحالف منظمات المجتمع المدني و تاج الحراك المدني ومهندس الثورة تجمع المهنيين السودانيين


2
وكل هذه التحالفات في داخلها مجموعة أحزاب فقِوى الإجماع الوطني تضم أحزاب  أبرزها الشيوعي والبعث والإتحادي الموحد وتكون هذا التحالف في عام 200‪9  وضم حينها أحزاب أخرى المؤتمر الشعبي وحزب الأمة والبعث السوداني إضافة ً إلى الحركة الشعبية خرجت بعد ذلك هذه الاحزاب في ظروف مختلفة  ولكن أبرزها خروج كتلة نداء السودان حزب الأمة القومي و حزب المؤتمر السوداني والحركة الشعبية قطاع الشمال حركة تحرير السودان و حركة العدل والمساواة و حزب التواصل، حزب البعث السوداني
الكيان الثالث من مكونات قوى الحرية و التغيير هو التجمع الاتحادي ومكون من مجموعة من الاحزاب والتيارات الاتحادية وهو تحالف خلقته الظروف ومتطلبات المرحلة وهي مجموعات واحزاب سياسية ذات تواجه واحد ولكن تختلف في أنماط وتصورات العمل وتباين المواقف
المكون الرابع هو الدينمو المحرك ومهندس الثورة وإكليلها المتوج تجمع المهنيين السودانيين وأيضاً هو مكون من إئتلاف عدة تكتلات نقابية أبرزها شبكة الصحفيين ومبادرة استعادة نقابة المهندسين ولجنة أطباء السودان المركزية وتحالف المحامين الديمقراطيين


3
تحالف قوى الحرية و التغيير بضخامة هذه الكتل المنضوية تحت مظلته جعلت منه أكبر إجماع نقابي و سياسي في تاريخ السودان ليشكل كتلة  لكافة الطيف السياسي والمدني من أجل غاية واحدة وهي إسقاط نظام الاسلاميين والاحزاب المؤتلفة معه وهي بعض الاحزاب والحركات المنشقة بالإضافة إلى الحزب الاتحادي الأصل
بطبيعة الحال فإن تحالف بهذا الترهل والضخامة هو إتفاق حد أدنى حيث يجمع قوى ذات توجهات يمينية وأخري يسارية وبعضها رأسمالية متطرفة وأخرى عكسها تماماً


4
برغم من كثرة هذه المكونات المختلفة داخل الحرية والتغيير ولكن بالاستناد علي مراكز القوة نجد أن هناك تصنيف مجازي يستند على الثقل الجماهيري والعامل التأريخي ولكن تحالف الحد الأدنى (سقوط النظام) جعل كل هذه المكونات كبيرة وصغيرة، حديثة وعتيقة متساوية في الفروض والأصوات وهذا التساوي في فترة ماقبل الثورة يحسب لصالح الكيانات الصغيرةو الحديثة التي وجدت لنفسها منصات ونفاجات وصول للجماهير التي كانت تعاني من عزلة وقطيعة معها ومن هنا ظهرت أصوات لقادة حزبيين جدد مختلفين عن قادة العمل السياسي التقليدي في السودان
وبصورة غير مباشرة ظهور قادة جدد في المسرح السياسي ساهم في تحسين صورة تحالف قوى الحرية و التغيير فقد أختصرت الأحزاب المعارضة في السودان منذ بواكير حكم الإنقاذ في عهد التجمع الوطني الديمقراطي وحتى إعلان قوى الإجماع لترسيخ صورة الثلاثة الكبار بإضافة الراحل جون قرنق آنذاك.


5
بالعودة الي حال تحالف الحرية و التغيير قبل سقوط نظام الإنقاذ نجد أيضاً هناك بعض كيانات التحالف قد اعتمدت رؤية واحدة منذ فترة طويلة وهي قوى الإجماع التي منذ إعلان التحالف عام 200‪9 أصبحت تعمل بوتيرة واحدة لهدف إسقاط نظام الاسلاميين على الرغم من تربع الراحل فاروق ابوعيسي على عرش هذا التحالف منذ إعلانه وحتى وفاته قبل ايام
بالمقابل في الاتجاه الآخر فإن تحالف نداء السودان المكون في عام 201‪4 والذي لعب حزب الامة دور كبير في تشكيله وجوهر فكرته هي الحوار والحل السياسي الشامل وهذه الرؤية ولدت مايعرف بالهبوط الناعم soft landing
بينما كان لايمانع بل يحبذ فريق نداء السودان مسألة التفاوض والجلوس مع النظام السابق بإعتبار التفاوض والحوار آلية سياسية رفض تماماً الفريق الآخر (قوى الإجماع) فكرة الحوار مع النظام السابق وهو ما جعل من فكرة الهبوط الناعم وصمة عار لتمديد حياة حكومة الإسلاميين أكثر من كونها أداة لتفكيك النظام بطريقة تقلل الخسائر.
أيضاً حري بنا ان نذكر رضوخ القوى ذات التصنيف (تأريخية) لشكل التحالف العريض في الحرية و التغيير بشكله الفضفاض هو انها لم تكن أصلاً على يقين بنجاح هدفها وإسقاط حكومة الاسلاميين خصوصا بعد ردة فعل النظام السابق الدموية العنيفة في هبة سبتمبر 2013.


6
في نهار السادس من أبريل 2019 وجدت قوى الحرية و التغيير نفسها في وضع مختلف تماماً لم تكن مهيأة له وبعد وصول الثوار إلى أمام مقر القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ولأول مرة منذ الثلاثين من يونيو 198‪9 تحس القوى السودانية المعارضة بأنها قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى السلطة وهذا الوضع سيتطلب منها الدخول في قضايا تفصيلية عن سياسات مابعد سقوط النظام والخطط الاقتصادية والإدارية والتنظيمية لإدارة الفترة الإنتقالية وظلت هذه القوي عبر سنوات عمرها الممتده تتجاهل فكرة العمل على البرامج والسياسات وقاصرة جهدها في حديث السياسة البحتة.
لم تكن قوى الحرية و التغيير تضع حساباً لمابعد وصول الثوار للقيادة العامة بل لم تكن أصلاً تتوقع مستوى الاستجابة العالي الذي ستحققه دعوات موكب السادس من أبريل وقد كانت متفاجئة مثلها من قادة النظام السابق البائد وهذا يعكس حالة العزلة التي تعيشها الاحزاب السياسية (معارضة وحاكمة) فهي لم تكن لديها حتى مؤشرات للرأي العام.
لابد من الإشارة لاحزاب أخرى تعاني من هذه العزلة فقد ظل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مشاركاً نظام الاسلاميين حتى إعلان اللجنة الأمنية إنقضاء عهد حكم الاسلاميين بالسودان


7
بوصول الثوار الي مقر قيادة الجيش (القيادة العامة) تداعت تنسيقية قوي الحرية و التغيير لدراسة تطورات الأوضاع ولم تحتاج لكثير جهد بعد أن أعلن الثوار أنفسهم الدخول في إعتصام مفتوح حتى سقوط النظام بشكل كامل.
هنا تبقت قليل من الخطوات لينجز التحالف قوي الحرية و التغيير هدفه الجامع (إسقاط النظام) وإن كانت خطوات التحالف السابقة يصحبها قليل من التخطيط فمنذ دخول الثوار في إعتصام مفتوح دخلت قوى الحرية مرحلة الارتجال إذ وتيرة الأوضاع المتسارعة لم تكن تسمح بتداول ونقاشات طويلة وذات دلالات إستراتيجية
وتسارع الأحداث أيضاً كان عنده مبرر أخر وهو تصدع نظام الاسلاميين بسبب تفشي الفساد وتمترس البشير في الحكم رافضاً اي محاولات إصلاح داخل الحزب الحاكم الذي هو مزيج من الانتهازيين واللصوص والمتشددين والذين تشتتوا شذر مذر بعد سقوط النظام
حالة الارتجال وغياب الرؤية الواضحة جعلت لجنة الاتصال الي لجنة تفاوض بقدرات محدودة وكان أثر هوانها في ضعف الناتج الإجمالي للعملية التفاوضية واحداث فض الإعتصام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى