إلى القارئ الكريممقالات

هشام عبد الملك يكتب : حلفا دغيم ولا بيروت (3)

معلوم، أن كل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها.. وقد حاول السيد عبد الله خليل بك أن يتفادى الحرب مع مصر في عام 1958، حينما سعى جمال عبد الناصر لإحتلال مثلث حلايب بالقوة، فأنقذ قوات العدوان المصري من (علقة) كانت كفيلة بأن تؤدب (البكباشي) مرة واحدة وإلى الأبد..
نسى حكامنا سريعا تلك المؤامرة الخسيسة على أرضهم وشعبهم، ظنا منهم أن (ديل الكلب) يمكن أن ينعدل، وأن الأمر قد إنتهى عند ذلك الحد، فتنادى المحجوب والأزهري بعد تسع سنوات من ذلك التاريخ لكفالة اليتيم بأخلاق الدين وأولاد العرب، فكان تهريب الجيش المصري بما تبقى من أسلحته بعيدا عن أصابع اليهود التي كانت تطال كل شيء داخل المؤسسة العسكرية المصرية المنهارة، وخاطبوا في الملك فيصل كل نخوته العربية والدينية، حتى أقنعوه بالحضور إلى الخرطوم، والجلوس مع جمال عبد الناصر، بل وتجاوز كل مرارات الماضي الدموي المصري، وتقديم العون المادي له، في أول عملية تمرد علني على اليانكي الأمريكي، الذي ظن أنه قد وضع العرب في جيبه، ثم دفع الرجل حياته ثمنا لكل ذلك ولرغبته التي عبر عنها علنا بالصلاة في المسجد الأقصى!!
نهض الاقتصاد المصري بفضل مؤتمر الخرطوم، واستعاد الجيش المصري عافيته ووقف على أرجله بفضل مؤتمر الخرطوم، وقاد أنور السادات (يقال إن أمه من جنوب السودان أو إقليم دارفور)، قاد حرب أكتوبر بالتنسيق مع الأمريكيين لتحريك الجمود الذي أصاب الوضع في الشرق الأوسط، بفضل مؤتمر الخرطوم، وحدث بعد ذلك ما حدث!!
نعم، الجيش المصري الذي فتحنا له أراضينا وأجواءنا ومياهنا، في جبل الأولياء ووادي سيدنا وبورتسودان، لننقذه من الموت السريري، هو نفسه الجيش الذي جاء ليحتل أراضينا على أسنة الرماح، بعد الضعف والهوان الذي أصاب بلادنا بفعل الجرائم التي أرتكبها حسن الترابي وتلاميذه باسم الدين طيلة ثلاثين عاما قضوا فيها على الأخضر واليابس!!
وبعد أن أنجزنا ثورة (حنبنيهو) ورويناها بدماء شبابنا، أصابهم الهلع، لأنهم أدركوا أن نجاح الثورة واستقرار الأوضاع، ستعنيان بالنسبة لهم خروجهم من مثلث حلايب الحدودي بالطبل البلدي، وأن إحتلالهم للولاية الشمالية لن يستمر كثيرا، وأن المجتمع الدولي الذي إعتمدوا عليه في حربهم ضد السودان، لن ينحاز إليهم كما فعل أيام عمر حسن.. فقد وصل بهم الأمر لدرجة أن المدعو عباس الطرابيلي، طلب من الأمريكيين أن يمدوا الجيش المصري بطائرة (أواكس) لمعرفة مواقع الصواريخ العراقية التي خبأها صدام حسين في السودان، وتدميرها،…تخيلوا إلى أية درجة تاجروا بنا في أصعب الظروف التي واجهتها بلادنا، وتخيلوا أن نفس الشخص الذي دعا إلى ضرب بلادنا بالصواريخ الأمريكية، هو أول من حضر إلى السودان بعد ذلك ليطلب منحهم ملايين الأفدنة لزراعتها، قبل أن يخرج علي كرتي لدعوة المصريين للإستيطان في الولاية الشمالية، التي هجرها أهلها، وهاهم قد فعلوا بدعوة كريمة من الكيزان لاحتلال الأرض، واستئجارها بأثمان زهيدة، وبأموال مزورة!!
آخر الكلام..
يبدو أن عمنا السر قدور وبنات أحمد المك والجنرال، لم يدركوا بعد أن ثورة ديسمبر قد أوجدت مزاجا جديدا في الغناء السوداني، فهم لا يعرفون الثورة لأنهم لم يكونوا جزءا منها، وربما كان ذلك هو سر عظمتها، وكانوا يرقصون على جثث شهداء الوطن عندما كان أولادنا يقابلون الرصاص بصدور عارية حتى هزموه.. لذلك جاء برنامج أغاني وأغاني هزيلا مثلهم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى