خارج الصندوق

عبد الباسط سر الختم يكتب : من مثلنا هذا المساء

ظل الأدب السوداني في مهاربه يتخفي منذ أن بدأ حمزة الملك طمبل الذي وضع لبِنات الأدب السوداني الحديث عبر سِفره الموصول (الأدب السوداني ومايجب أن يكون عليه)؛ منذ ذلك العهد في عشرينات القرن الماضي ظل الأدب السوداني وأدبائه في حالة تضاد مع الدولة وجبروتها وسلطانها
  وطمبل من أوائل النقاد الذين حاولو وضع الأدب السوداني في منصات جديده لنزعه من غياهب الاستلاب العروبي ليكون أدبا يعبر عن الخصائص الثقافية والاثنوغرافية للشعب السوداني وهذه الاراء الجريئة والمتقدمة أثارت حفيظة الأدباء أمثال حسين عثمان منصور والمحجوب وغيرهم وأدت في أخر المطاف الي أن تغلق جريدة الحضارة الباب في وجهه وتتوقف عن نشر مقالاته
وتمر السنوات وماراوح المبدعين مهاربهم وسلطة الدولة في غيها ورفضها تقريظ أدباؤها وفنانيها لتوفر جهدها لنعيهم بعد مماتهم
فالنقد الذي قدمه طمبل أقفل أمامه أبواب النشر ولكن من بعده وعلى ذات الدرب فقد أودت قصيدة نظمها حاسباً في حكومة السودان عام 195‪3 كتبها في نقد اتفاقية تقرير مصير السودان وقد سماها بفجر كذوب أدت لنقله من مقر إقامته بورتسودان الي مدينة واو في جنوب السودان
ذاك الشاعر هو المجذوب صاحب ديوان(نار المجاذيب) ويقول في مطلع قصيدته
طوائف وخرافات يدين بها من      دينه العجز والاشباح والنصب
وفي العمائم أسرار    محنطة           كالموميات بدين الله تنتقب
وجدير بالذكر أن معرض نقد المجزوب للاتفاقية كان إستقراء لما سيكون عليه وضع جنوب السودان بعد الاتفاقية حيث يقول
عندي من الزنج أعراق معاندة     وإن تشدق في أشعاري العرب
ومما لاشك فيه أن هذا الوعي المتقدم للمجزوب هو سبب غضب السلطة وبطشها

وعوداً على سيرة هذا العداء السلطوي الذي يضيق زرعاً بأصوات الأدباء فقد كانت أبيات عم عبدالرحيم
حكومات تجي وحكومات تغور
تحكم بالحجي بالدجل الكجور
مرة العسكري كسار الجبور
يوم قسم النبي تحكمك القبور
تعرف ياصبي مرة تلف تدور
فهذه الأبيات كانت القاطعة لشعرة معاوية بين محمد الحسن سالم حميد ومصطفى سيداحمد بجانب وحكومة نميري من جانب أخر ولم ينتهي تحرش السلطة بغياب نميري فقد ورثت العصبة المنقذه هذا السفور فمات مصطفى منفياً بعيد عن وطنه وعن ودسلفاب وإن سنحت الإنقاذ في سنوات هوانها لحميد أن يعيش في وطنه ولكنه كان جسدا بلا روح هائماً بين نوري والخرطوم يرسل أشعاره فتتلقطها الأسافير ولكن ظلت سطوة السلطة تتربص به وتوصد أبواب قنواتها دونه وإن كانت تتعمد أن تلوث سيرته بفتات نعمائها في اتحادات الطلاب لتدنس طهارته بانجاسها
وفي المقابل فإن حميد تجده قد تجاوز بتشريحه ونقده لجبروت السلطة ليبحر في نقد جملة الفاعلين السياسين وإن كان نقداً ليناً كنقد والد لأولاده فيقول فيهم راشد والتومات كناية عن الاحزاب التقليدية
وراشد حالف ما يطهر
إلا أبوهو وعمتو تحضر
وإلايجيبو الغنايين
شان الشوق بت سرنا ترقص
قلنا نجيب المداحين
طنطن .. أنا جاي من الحج
وعارف راشد لما يطنطن
كل الدنيا الفيي تطنطن
غايتو بشر .. بس ربو يهون
ما كلمتك بالتومات
أول البارح جني يرطنن
قالن نحنا الخواجات
بسم الله .. مرق حصلت
لقيت لك جعفر زارد البيت بالخواجات
يبقىحداشر وخواجية
ناس البلد الكسرو عليهن

ورحل حميد ورحل المجذوب ورحل طمبل وها نحن لم نبرح مجلسنا غير أبهين بوصاياهم ولا قد تعلمنا لنسقي أشجار مبدعينا ونحفل بماسطروه لنا من واقعنا السحري فبرغم أننا ماعهِدنا تقرير المصير ولكن أوصاف العباسي شكلت لنا زاوية رؤية جيدة وإن لم تتغير نظرات العباسي وحميد في تقييم أحزابنا ولم تتغير هي نفسها ولكن لكل شاعر قول ولكل زمان حديث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى