القصة ومافيها

النور عادل يكتب : السودان بين النقد والنقض

ثمة معارك تدور الآن بين فريقين يرى كل واحد منهما رأيه أنه منزل من ربه بالحق!
يضيع الفهم وتتشتت المفاهيم وتتبعثر الأخلاق والاحترام بين المتحاورين، ويصل الحوار لدرجة الخوار.
ونسجل بداية أن مما يؤسف له في جزء من حوارات من يفترض انهم النخبة، غياب التدقيق والتحرير لمواضيع النقاش، ويتحول الأمر ل(ردحي). لا أحد يسمع سوى نفسه. ومن الظلم أن نصف ما يدور الان بحوار الطرشان، فالطرش أرقى حوارا بلغة الإشارة من بعض الناطقين. وعلى فكرة هم قوم مهذبون ومتفهمون جدا لمن يحاول فهمهم.

“النقد هو تعبير مكتوب أو منطوق من متخصّص يسمى ناقدًا، عن الجَيِّد والرديء في أفعال أو إبداعات أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلِف المجالات من وجهة نظر الناقد. كما يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف فيها، وقد يقترح أحيانا الحلول”

“يُعرَّف النَّقْد لغةً، بأنّه تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، ويأتي بمعنى فَحْص الشيء وكَشْف عيوبه”

“النقض: لغة: حل أجزاء الشيء بعضها عن بعض، وقيل الفسخ وفك التركيب. واصطلاحا: بيان يخلف الحكم المدعى ثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض من الصور، فإن وقع بمنع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال سمي نفضا إجماليا، وإن وقع بالمنع المجرد أو منع السند سمي تفصيليا لأنه منع مقدمة معينة”

المتابع للساحة السياسية مؤخرا يلحظ أن ثمة خلطا منهجيا ومفاهيميا عند مختلف أطراف العملية الان. حتى بات النقد عند فريق عريض من انصار الانتقالية نقضا وكفرا بالثورة، والنقض عند أنصار الفلول ثورة وتجديدا للثورة بزعمهم.
قصدنا من هذه المقدمة التعريفية أن نسلط الضوء بوضوح على الفرق الدقيق والملتبس بين المفهومين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.

النقد عملية بناء وترشيد وتمحيص، فرقان بين حق وباطل، جلاء وإيضاح للمتشابه والمتوافق وتفنيد للرأي وفق نظر يراعي الموضوعية أكثر مما يقفز للنتائج وفخ الأحكام المسبقة.
اما النقض فهو إعادة تفكيك وتركيب للواقع والمعطى والاخبار، عملية لحد ما تقبل الازدواج في النظر والمعيار والقيمة وتنكر المقدمات المنطقية وتزري بالبديهيات في سبيل الوصول لنتيجة مرغب فيها وفي إثباتها كحقيقة لا تقبل الجدل.
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

يقع خلط واحتكاك وتشويش احيانا يبدو متعمدا من انصار الفترة الانتقالية، فيحسبون كل ناقد فلول! وتقع أكبر عملية سوء تقدير حين يظنون أن التأييد بالجملة انتصار لحكومة الثورة وخط الثورة! وهذا لعمري قلة عقل ونقص حاد في المعرفة يليق بالفلول أكثر مما يليق بالثوري الحر والمعتد بقيمة حرية التعبير المؤمن بالحوار طريقا للبناء.
كثيرا ما استوقفتني عبارة (شكرا حمدوك) وقفزت لذهني أختها (سير سير يا بشير). وكلا الجملتين تحملان في منطوقهما وشعوريتهما معاني المطلق المتجاوز لقنطرة النقد والتعقيب. وهذا لعمري ايذان ببدء صناعة دكتاتورية من الرجل رئيس الوزراء، ونرجو أن نكون نحن المخطئين!
اما ما يمارسه إعلام الفلول واقلامه على المكشوف والمستتر من نقض والتعلل بأنه نقد، فهذا هو التلبيس والتغبييش. فكثيرا ما نقرأ أقلام خرست طوال ثلاثينهم العجاف ونطقت بالنقض من بداية صافرة الفترة الانتقالية، عامدة لتفكيك وتركيب الأخبار والحقائق بما يتماشى مع إيمانها الايدولوجي المهترئ من أن الإنقاذ الغارقة رحمة والمدنية السابحة لمرافئ الإنسانية غرق.
ويكفي مثالا واحدا هذه الأيام بكاءهم على قرار الاستعانة ببعثة سياسية للأمم المتحدة تحت الفصل السادس، وقد سكب مداد غزير في تجلية الفروقات الفنية بتفصيل ما عاد يحجب شمس الأصيل التي زعموا أن قاعدة (اكذب اكذب يصدقك الناس) تحجبها.

القصة وما فيها يا سادة من قوى الحرية والتغيير هو أن النقد رحمة وحق اصيل لكل مواطن حر وشريف يرى (العوج في العود) وليس منة منكم، ولا نظن أن ختم الوطنية بات في ادراجكم المتنافرة في جوبا الان. فها هنا وطنيون ليس عندهم سلاح ليلحقوا بحفلة الغنيمة هناك.
والقصة وما فيها يا أنصار المخلوع، هو أن الحلال بين والحرام بين ووقوفكم في خط المتشابهات لن ينفي اسوداد تجربتكم وحرامكم. انكاركم للمقدمات ولهثكم لإثبات نتائج انتم وقودها لن يزيدنا إلا إيمانا بشرركم.
خلاصة القصة اننا على عهد بتلك الدماء الزاكيات، شهداء سبتمبر، الثامن من رمضان، فض الإعتصام.
لن نصمت على العوج في العود ولن نكسر الغصن ليضربنا الجفاف.

:كان القدماء يصفون الدليل القوي الواضح بأنه الشمس في رابعة النهار ونسوا ان الشمس نفسها على شدة وضوحها لا تصلح دليلا كافيا لدى الإنسان إذا كان أعمى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى