القصة ومافيهامقالات

النور عادل يكتب : ناشطون لمن ؟

في بدايات ما عرف بثورات الربيع العربي، ظهر مصطلح النشطاء، وهم جماعات شباب مستقل،مثقف، من مشارب فكرية متنوعة، من أقصى اليمين لأقصى اليسار، لهم حضور على مواقع التواصل الإجتماعي بشكل راتب ومميز.
لا ينكر أحد قط دور هؤلاء الشباب في تثوير الشارع عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وابداعاتهم الثورية لا تزال تعطر فضاءات الشبكة العنكبوتية.

لكن دائما كان هناك ثمة تساؤل يلح على خاطري حين أقرأ في تعريف أحدهم بإحدى القنوات (الناشط السياسي) (الناشط الحقوقي) (الناشط المدني)..الخ
-ناشطون لمن؟
شيئا فشيء تحول الربيع العربى إلى خريف ساخن، وارتكست تجاربه الأولى في مصر وليبيا وسوريا الى صيف حار جاف. ومعه بالطبع تأثر تيار الناشطين.
لجأ البعض لأمريكا واوربا، وعاودوا الحياة العادية للمواطن العادي؛ وزج بالكثيرين في السجون، وقتل البعض غيلة وغدرا-رحمهم الله- ومن بقي أصبح اما على الحياد أو انقلب على معسكره الأول، أو كفر بما كان يدعوا إليه.
إن غياب الرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى للناشط العربي في دول الربيع، كانت واحدة من أسباب ضرب الثورات في مقتل، فالناشطون مؤثرون، لهم متابعون، متعصبون، لهم كلمة ليست ككلمة اي أحد، ومعدل النقر والمتابعة لصفحاتهم أعلى من اي أحد حتى فاقت صفحات بعضهم في المتابعات صفحات كبار الفنانين والنجوم.
ومكمن الخطر في ارتكاس الناشط هو السؤال الذي طرحنا بالعنوان. فالغاية من النشاط كفعل إنساني اجتماعي سياسي في بيئة موارة بالأحداث الجسام كالشرق الأوسط مهمة جدا، وقد أدى اختلاف المشارب الفكرية لمعارك اسفيرية طاحنة بين تيارات الناشطين بعد زوال بعض الانظمة وصعود أخرى.
مثلا فقد شنت حركة ٦ أبريل الهجمة تلو الأخرى بعد فوز جماعة الإخوان بالحكم في مصر. وتنكر عتاة الليبراليين لمبادئ تداول الحكم الرشيد حين رأوا خصمهم الازلي الإخوان متوجا بنسبة ضئيلة لسدة الحكم.
في تونس حين كادت النهضة أن تقترب من الحكم أيضا برز تيار اللائكية والحركات النسوية بشدة ضد النهضة ممثلة في شيخها الأستاذ الغنوشي والأستاذ عبدالفتاح مورو. وفي كلا النموجين المصري والتونسي كان لاختلاف المنابع الفكرية لجماعات الناشطين ومعاركهم ضيقة الأفق قصيرة النظر للصورة الكبيرة، دور فعال في وصول الثورة المضادة لسدة القيادة وعودتهم مجددا مجرد ناشطين أو محايدين أو معارضين بلا اي وزن أو تقدير.
السودان ليس بدعا من هذه التيارات، فمع بزوغ ثورة ١٩ديسمبر المجيدة، وخروج المواكب الشبابية كل أسبوع. متحدية الآلة الأمنية الانقاذية، وهي آلة جبارة لا يستهان بها. رأينا بأم أعيننا مختلف التيارات الشابة المتمردة على أحزابها وحتى على مبادئها بالنسبة للتحالفات مع الآخر.
كان السلفي بجانب اليساري، والأخير ممسكا بيد إخواني سابق مطرود من جنة الإخوان المزيفة. رأينا النقاب موشحا بعلم السودان الانيق بجانب الثوب الأبيض والبنطال والتيشرت. وأذكر إلى الان لوحة موغلة في المثالية لمنتقبة وأخرى ترتدي الجينز رفقة راهبة شابة.
كانت (اللايفات) تضج كل ليل بمختلف المتحدثين من كل الاتجاهات، وكان الناس يشاهدون ويستمتعون بهذا القدر من الحرية والتلاقي، وقتها كان الهدف مختصرا في جملة ذكية بليغة (تسقط بس).
لكن ومع وصول المعارضة لسدة الحكم في الفترة الإنتقالية، أصابت التعيينات الوزارية بيت الناشطين في مقتل، وبرزت إلى السطح جبال القضايا الكلامية والثقافية من جديد، وعاد كل ناشط لسحب سيف افكاره وأدواته وبدأت حفلة التخوين وتم عزف الاغنية المفضلة (سرقتوا الثورة) وهي أغنية قديمة منذ ثورة ٢٥ يناير وفوز الإخوان بالحكم.

التشتت والتفرق الواقع الان في بيت الناشط الشبابي السوداني مرده إلى نقاط لا نجزم بشمولها وهي:

-ظاهرة الناشط الذي يعرف كل شيء ولا يعرف اي شيء! ويتحدث في كل شيء! ولو كان علم الاجنة لمخلوقات فضائية في فيلم حرب النجوم! وهذه مصيبة أن لا يعي المتحدث أهمية الكلمة وخطورة النشر لأجل النشر وكسب الاعجابات وزيادة المتابعين.
-عدم وعي النظام الان لأهمية دور الناشطين، واهتمامه الأكبر المنصب على الأحزاب التقليدية. عقدت الحكومة حوالي اجتماع واحد يتيم مع بعض الناشطين الإعلاميين، وباقي اللقاءات موزعة ما بين الأحزاب والحركات ودول العالم. ونسيت أو تناست الفاعلين الاساسيين في الساحة، الناشطون.
-شعور بعض الناشطين بالتهميش والاقصاء خاصة بعد تعيين بعض زملاءهم النشطاء مثلهم أو أقل منهم في مناصب حساسة بالدولة. ما أجج حالة من الحسد والخلافات الاسفيرية، انعكست للواقع في حالات باتت مصدر راتب للانصرافية والتشويش. ولا داعي لذكر أسماء بعينها.

  • الناشط شخص مثقف عادة، وبعضهم قراء مميزون، ولهم ملكات في التفكير والإبداع غير عادية، وبعضهم جهلاء محظوظين ركبوا قطار الثورة فباتوا أيقونات. لكن هذا وحده لا يؤهله لأن يتبوأ اي مقعد رسمي بالدولة، فمؤسسات الحكم القومية ليست هاتف آيفون وسماعة وخلفية وكم نفر من المعجبين.
    -ضعف التنسيق الفعلي بين النشطاء أنفسهم بسبب المسافات المكانية، واختلاف الازمنة، وتفاوت الملكات والقدرات المعرفية..أدى لتشويش الرؤية الوطنية التي يطرحها كل واحد منهم. ما انعكس سلبا على جمهور المتابعين. والأخطر أن بعض المتابعين يظن أن رأي الناشط فلان أصوب من الناشط علان، وأنه أولى وأحق بالمنصب من زيد وعمرو، فتحولت القيادة والشأن العام من تكليف إلى هبة وأعطية في نظر بعض الجماهير.
    -غرور بعض النشطاء وشططهم الواضح في الاسافير، إذ يمارس بعضهم أستاذية مقرفة في حق الآخرين فقط لأن له سابقة من إعتقال أو محاولة اغتيال أو لانه كان الأول في توثيق حدث ما اشتهر به بعد ذلك. إذ تلحظ من بعض النقاشات تلك اللغة الفوقية من ناشط شاب تجاه زملاءه، خاصة إذا كان هذا الناشط محظوظ بكم معتبر من صور السيلفي مع قيادي بارز.
    ليست هناك-بحسب علمي- دراسات مستفيضة في موضوع مهم وحيوي كموضوع النشطاء في الوطن العربي. وهذا الموضوع بحاجة لبحث ودرس وتأمل لوضع رؤية -ولو بالحد الأدنى- جامعة تجمع شتات هذه الطاقات الشابة وتوجهها نحو هدف استراتيجي وطني متفق عليه.
    ناشطون لمن؟
    من كان ناشطا لله ثم لوطنه ربح البيع.
    ومن كان ناشطا لدنيا يصيبها فالرماد في خشمه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى