خارج الصندوق

عبد الباسط سر الختم يكتب : دولتان.. ونظامان( 2-3)

في الحلقة السابقة عرضنا نمط الصراع في السودان بالنظر الي المعطيات التاريخيه في المكون السياسي (مدني) و المكون الدينوعرقي المسلح
ونواصل في المقال لنناقش كل مكون على حدة

الصراع الدينوعرقي الديني/العرقي

طبيعة الاستقطاب للمشروع تُبني على رفض الآخر (القاهر دينياً والمتُصور في شكل رجُل أبيض يمتطي حِصان ويجوب القُرى لحملات صيد الرقيق)

حقيقة النسق الصراعي العرقي والديني بشكله الحالي في السودان هو صراع وجودي حيث تستند فكرته على نمط نهايات حدية (إما إنقراض أحد الطرفين كما ظهرت من حروب وأشكال الإبادات الجماعية التي رتبها النظام البائد في دارفور وجنوب كردفان آو هزيمة طرف الآخر وكسر قوته تمامآ وهو نسق أثبت التاريخ الإنساني فشله تماماً لهذا كان موضوعياً أن تنتهي اتفاقية السلام الشامل بانفصال جنوب السودان فطبيعة الاستقطاب للمشروع تُبني على رفض الآخر (القاهر دينياً والمتُصور في شكل رجُل أبيض يمتطي حِصان ويجوب القُرى لحملات صيد الرقيق) وهذا الخطاب هو يتناسب شكلاً وموضوعاً مع دفع الجنود وحثهم للقتال ولكن تبقى هناك نقطة فارقه وهي نهاية اي حرب هي اتفاقات وهنا يغفل قادة هذه المشاريع لجعل خط رجعة تسوغ الحلول غير الحدية فظلامات الحرب لايدركها إلا من خاضها كما قال رئيس جنوب السودان السيد سلفاكير ميار ديت ففي الحروب تشاهد صعود ارواح رفقاء السلاح وهي طاقة مدمرة ووقود إضافي للكراهية.
فساهمت حكومة الاسلاميين بمشروعها الديني حيث أججت مشاعر المسلمين بخطابات كراهية أنتجت عنف وعمليات انتحارية ووعد المجاهدين بدخول الجنه فكانت جيوش الدبابين وأمراء الجهاد وجيوش الدفاع الشعبي

المعالجات الشكلية بالإضافة لضعف هذه الاحزاب وضمور التجديد فيها فقد جعتلها غير مدركة لجذور الأزمة

أيضاً بالنسبة للاتفاقات الاحزاب المعارضة المدنية مع حركات الكفاح المسلح (التشكيلات العرقية والدينية) فهي أيضاً ظلت في شكل تحالفات مرحلية لم تعالج جزور الازمة فقد ظلت النخب المدنية تعالج المشكلات عبر الترميز التضليلي والتمظهرات الفوقية كمشاركة رمزية للاعراق المتظلمة في هياكل الاحزاب متجاوزين جزور المشكلة
وهذه المعالجات الشكلية بالإضافة لضعف هذه الاحزاب وضمور التجديد فيها فقد جعتلها غير مدركة لجذور الأزمة مما ساهم في توالد تيارات مدنية(مدرسة الهامش والمركز) تستخدم ذات الخطاب الديني /العرقي وهو تمدد لصالح نسق الحركات المنتهجة النسق العرقي من السلاح الي العمل المدني وإن لم تنجح في التمدد مدنياً وظلت ترفد الحراك المسلح بالكوادر والجنود (وهو مبرر وموضوعي لطبيعة الخطاب الحدي)

الصراع السياسي المدني

طبيعة الإستناد الطائفي جعل من الصعب تمدد هذه الاحزاب خارج نِطاق الطائفة

أيضاً طبيعة الكيانات السياسية السودانية بسندها الطائفي وهشاشة الديمقراطية في داخلها جعلت هذه الأحزاب في حالة تكلس داخلي وتراكم النخب منتظرين فرص الوصول لقيادة هذه الاحزاب وضيق في فرص التجديد في الفكر والمشاريع السياسية
فبشكل أساسي يرتكز أكبر حزبين (حسب نتائج الانتخابات التي أقيمت في السودان) على طوائف دينية هي طائفتي الختمية والانصار  وأيضاً بالرجوع لنتائج الانتخاب التاريخية لاتوجد غلبة لأحد الحزبين تمكن أحدهم من الحكم بمفرده
أيضاً طبيعة الإستناد الطائفي جعل من الصعب تمدد هذه الاحزاب خارج نِطاق الطائفة

وحتى مشاركات النُخب غير المنتمين للطائفة جعلت فرصهم في الصعود ضيقة جداً فالنسق (التوريثي) في الطائفة ألقى بظلاله داخل المؤسسة السياسية
أيضاً التظلمات التاريخية التي ذكرناها سابقاً (دينية /عرقية) تجعل من هاذين الكيانين في مرمى الإدانة بسبب الوجود التاريخي للطائفتين (ختمية ذات مشاركات في فترة الحُكم الانقليزي وأنصار يتحملون حُمولات وممارسات الثورة المهدية السالبة) ولطبيعة التداخلات بين الطائفة الدينية والمنظومة السياسية وتطابق القيادة فهنا يخلق خلط لمفاهيم المتلقي والممارس السوداني بين الديني والسياسي فيصعب إعتماد هذه الاحزاب بأنها غير دينية أو وسطية والخلط بين الطائفة والحزب ساهم بشكل مباشر في مشاريع سياسية دينية (دولة المدينة/والجمهورية الإسلامية) وهذه المشاريع تتناقض مع طبيعة التحالفات مع الحركات العرقية/الدينية ذات شكل تناقضي ويسهم في تشكك الطرف الثاني (صاحب المظالم التاريخيه عرقياً ودينياً) موقن بصعوبة تقدم هذه الاتفاقات، فلن يترك قادة الاحزاب الطائفية خطاب الدين لطبيعة القائد والأعضاء الدينية وهنا أيضاً لاتوجد نقطة وسطى وتبقى الاتفاقيات مجرد هدنات واستراحة محارب لتعود من جديد

إختراق النقابات المهنية والمؤسسة العسكرية ولجان الأحياء لتجييرها لمقاومة الانظمة وإسقاطها وهذا سبب إضافي لضعف التفكير

وهذه الاحزاب ذات العمل المدني صراع أخر جعلها مهتمة بإسقاط الحكومات بدلاً من بنائها فصممت طرائق عملها بإختراق النقابات المهنية والمؤسسة العسكرية ولجان الأحياء لتجييرها لمقاومة الانظمة وإسقاطها وهذا سبب إضافي لضعف التفكير والتخطيط لبناء حلول عملية تطبق لبناء الدولة وتغيير نموذج الحكم المصمم من قبل المستعمر وورثتها النخب السودانية دون أي تغييرات تُذكر
فنظام الحُكم الذي ظلت النخب تتعاقب في تسكين كوادرها في ذات الهيكل وظل القصر الجمهوري هو المُمسك بصغائر وكبائر الدولة منذ غردون باشا حاكم السودان ممثلاً للحكومة البريطانيه المصرية ثم اللورد كتشنر لترثه النخب السودانيه
ففي عهد الاستعمار كانت الخرطوم هي سكنات النخبة التي تعاون الحكومة المستعمره في الحُكم فمدارس الكتبة ومن ثم كلية غردون (جامعة الخرطوم) وكانت خارج الخرطوم تابعيات يُرسل لها الحكمدارات (وأصبحوا الولاة لاحقاً) وتأتي بالايرادات السنوية لخزينة الدولة في الخرطوم
وفي الحقيقة الخرطوم هي نفسها كانت تستقبل الحكام وقتها من بريطانيا ومصر وفي نهاية العام تُرسل إيراداتها لمصر وبهذا تكون الخرطوم عباره عن محطة لتسهيل تنفيذ سياسات المستعمر
  وصَمم المستعمر المدارس وكلية غردون بغرض توفر للحكومة موظفين في الوظائف الوسيطة بالخدمة المدنيه (الانقليزية)
فبعد خروج المستعمر وسودنة الوظائف ترفع موظفي الخدمة المدنية (خريجي غردون) لملء شواغر الوظائف فيما يعرف بالسودنة وحتى اليوم لم تستطع النُخب الخروج من سيطرة أفندية كلية غُردون لتسكين نموذج الدولة المتوارثه من الاستعمار برغم توسع التعليم والمتعلمين

لهذا فالسودان يسبح في نسقين من الصراع متوازيبن نُخبة مركزية توارثت هيكل حكم مُهتري لايستوعب تطور وزيادة المتعلمين من حيث الكم ولا النوع
وصراع أخر في عالم موازي عماده القبيلة والعرق والدين حيث لم تضعه حكومة المستعمر في حسبان تصميم هيكل الدولة واكتفت بإرسال حاكم من الخرطوم اليه فلا تعليم ولا علاج
فبينما كانت في الخرطوم كلية غردون إكتفت في الولايات بالتعليم الديني والخلاوي
وبينما توسع النظام المدني في الخرطوم إكتفي حكام الولايات إعتماد الحكم الاهلي (الإدارات الأهلية) المركزة على القبيلة
ونتجت بذلك نظام متحضر (مدني) في الخرطوم وآخر قبلي (أهلي) خارج الخرطوم

يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى