تقارير سياسية

هل تنهي محاكمة البشير “مسلسل الانقلابات الطويل” في السودان؟

كمال عبد الرحمن – الخرطوم – سكاي نيوز عربية

يمثل الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، و15 من ضباط القوات المسلحة و8 مدنيين من قيادات الإخوان المسلمين، الثلاثاء، أمام محكمة خاصة لمواجهة اتهامات تصل عقوبتها للإعدام بسبب تقويض النظام الدستوري على خلفية المشاركة في انقلاب 30 يونيو 1989 بغطاء من جماعة الإخوان المسلمين التي كان يتزعمها حسن الترابي الذي توفي في مارس 2016.

وتشمل قائمة المتهمين المدنيين، علي عثمان طه ونافع علي نافع وعوض الجاز وأحمد محمد علي الفششوية والزبير محمد الحسن، الأمين العام للحركة الإسلامية، إضافة إلى علي الحاح وإبراهيم السنوسي.

وقبل الإطاحة به في ثورة شعبية في أبريل 2019، حكم البشير السودان 30 عاما عقب انقلاب نفذه في 30 يونيو 1989، مطيحا بحكومة مدنية انتخبت في 1986 بعد عام من انتفاضة أنهت 16 عاما من حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب نفذه في مايو 1969 كان الثاني منذ استقلال السودان في العام 1956 بعد انقلاب الفريق عبود في نوفمبر 1958 والذي استمر حتى اكتوبر 1964.

اختلافات كبيرة

أجمع ساسة ومراقبون تحدثوا لـ”سكاي نيوز عربية”، على أن انقلاب البشير اختلف عن غيره من الانقلابات السابقة في 5 جوانب رئيسية وهي ارتدائه ثوب عقائدي صارخ وسعيه نحو أدلجة الجيش والقوات الأمنية وتشكيل مليشيات موازية والتفريط في وحدة البلاد من خلال فصل الجنوب وإفشاء الفساد وتدمير الاقتصاد إضافة إلى الإمعان في ممارسة القتل خارج مظلة القانون.

وعبر المتحدثون عن أملهم في أن تشكل محاكمة البشير آخر حلقة في مسلسل الانقلابات في السودان، مشيرين إلى 3 عوامل مهمة قد تجعل ذلك ممكنا أولها التفاف الإرادة الشعبية نحو الحكم المدني واستفادت ثورة ديسمبر من دروس التجارب التي اجهضت الثورات الثلاث الماضية إضافة إلى التحولات الكبيرة في البيئة العالمية التي لم تعد ترحب بالحكم العسكري.

أالرئيس السوداني السابق عمر البشير

 نقطة فارقة

اعتبر القيادي في قوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله، محاكمة البشير والمتهمين الآخرين لمشاركتهم في انقلاب 1989 نقطة تاريخية فارقة في مسيرة التطور الوطني في السودان، وخطوة مهمة نحو وقف مسلسل الانقلابات التي حصدت نحو 54 عاما من تاريخ الحكم الوطني بعد استقلال البلاد قبل نحو 64 عام.

وينظر خلف الله إلى انقلاب 89 من زاوية أنه يختلف عن الانقلابات الأخرى كونه جاء بتخطيط وتدبير من حزب ديني جير كل موارد الدولة لصالحه.

ويعدد خلف الله النتائج الكارثية للانقلاب وعلى رأسها سياسة التمكين التي جيرت معظم موارد البلاد لصالح جماعة الإخوان الأمر الذي أحدث دمارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا واسعا.

ويقول خلف الله إن تبعات وتداعيات الانقلاب لم تقف عند الجانب الدستوري فقط بل شملت إدخال الدولة السودانية في حروب طاحنة توسعت من جنوب البلاد الى غربها وشرقها، مما أدى إلى هدر العديد من الموارد والفرص.

نوعان من الانقلابات

أما رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت يحيى، فيقسم الانقلابات العسكرية الثلاثة التي وصلت إلى الحكم في السودان إلى نوعين، الأول تم بدعم سياسي دون أن يخرج المؤسسة العسكرية من عباءتها الطبيعية وهو ما حدث في انقلابي عبود في نوفمبر 1957 وانقلاب النميري في مايو 1969، اللذين نجحا في الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية دون اقحامها في أي ايديولوجيات سياسية أو أنشطة اقتصادية ظاهره؛ على عكس النوع الثاني المتمثل في انقلاب 1989 والذي كان تحت غطاء سياسي كامل من جماعة الإخوان التي استخدمت المخلوع عمر البشير وقيادات تابعة لها داخل المؤسسة العسكرية وعملت من خلالها على فرض أيديولوجيتها الخاصة داخل المؤسسة.

ووفقا لعصمت فإن نظام البشير ارتكب ثلاثة أخطاء تاريخية لم تحدث في الانقلابين السابقين وهي تغذية التوجه الأيديولوجي في أوساط قيادات الجيش والأجهزة الأمنية وإقحام المؤسسة العسكرية في أنشطة اقتصادية مكنتها من قطاعات حساسة وحاسمة خارج مظلة المؤسسات المناط بها الولاية على المال العام مما تسبب في الكثير من المشكلات الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها البلاد في هذا الظرف الانتقالي الحرج، أما الخطأ الثالث فيتمثل في خلق العديد من المليشيات العسكرية والأمنية الموازية والتي كانت تعمل خارج إطار سيطرة القوات المسلحة.

وفيما يعتبر عصمت أن فصل الجنوب أحد الجرائم الكبرى التي ارتكبها نظام البشير، إلا أنه يبرئ القوات المسلحة من هذه الجريمة التي يرى أن مسؤوليتها تقع على عاتق الحاضنة السياسية المتمثلة في جماعة الإخوان.

ومن أجل وضع حد نهائي لظاهرة الانقلابات المتكررة في السودان ينصح عصمت بضرورة إعادة صياغة العقلية والعقيدة العسكرية بحيث توجه جهود واهتمامات المؤسسة العسكرية نحو هدفها الطبيعي المتمثل في حماية الدستور والتراب الوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى