إلى القارئ الكريم

هشام عبدالملك يكتب : وداعا إبراهومة

وداعا إبراهومة..وداعا قيثارة الكرة السودانية..
رحل الخليل، إبراهيم محمد علي، وبقيت إبداعاته وروائعه، التي لم نستطع بكل أسف، أن نقدمها للأجيال التي جاءت من بعده، أو تلك التي سوف تأتي في مقبل الأيام، فنحن شعب بلا ذاكرة،
وهذه هي إرادة الله!! وليس هذا وقت للنواح أو البكاء على اللبن المسكوب، ولكننا فقط نترحم على إنسان نحبه كثيرا بقدر ما أعطى لجمهور الرياضة، وبقدر ما ساهم في تشكيل وجدان شباب هذه الأمة العظيمة، المنكوبة بمثقفيها وبجهلائها!!
غيض لي الله مناسبتين، رأيت فيهما الخليل عن قرب، في وقت كانت مجرد رؤية أولئك الكبار متعة لا تدانيها متعة.. فقد كانوا نجوما بحق وحقيق، حين يتحدثون وحين يصمتون، حين يمشون وحين يقفون، حين يبتسمون وحين يغضبون.. فقد كان حتى غضبهم يدخل السرور إلى النفوس، وينشر الفرح في المكان..
المناسبة الأولى كانت في عام 1964 تقريبا، أثناء إستعداد نادي المريخ لمباراته أمام الهلال في الدوري، وكنت وقتها في الثانية عشر من عمري، عندما هرول نحونا أحد الصبية وهو يكاد يطير من الفرح، ليبلغنا بأن نادي المريخ حضر لإقامة معسكره بنادي الري المصري في الشجرة، وكنا قريبين من المكان، فهرولنا نحوه، بعد أن تبين لنا صدق الصبي، بعد أن أكد روايته بأنه شاهد سيارة المدرب التشيكي شيموناك وقد علق على المرآة حذاءا رياضيا صغير.. وياللهول.. فقد رأينا أمامنا نجوما تتلآلآ.. إبراهومة، جقدول، وزة، التقر، سينا، زيدان، جعفر قاقارين، حسنين جمعة، رفعت، وماجد محمد عثمان.. يا رباه!! كيف يمكن أن نستوعب كل تلك الصدمة التي لم تخطر لنا على بال؟؟ كان العمالقة يتدربون على ملعب التنس، بلعب الكرة بالأرجل والرأس من فوق الشبكة.. وعندما أخطأ إبراهومة في صد كرة سهلة، قام شيموناك بإخراجه من الملعب، وإدخال طفل صغير مكانه.. وضحك الجميع!!
وكانت تلك آخر مباراة يشارك فيها الراحل المقيم، ذهب بعدها إلى قطر.. وتصادف بعد نحو عام تقريبا، أثناء سفري من الخرطوم، مستغلا (ترحيلات البص السريع)، أن نظرت إلى المقعد الخلفي فوجدت الخليل بشحمه ولحمه، وكان قادما من الدوحة، ومسافرا إلى أهله في مدني السني، ويبدو أنه شعر بالتعب نتيجة للرحلة الطويلة من الدوحة، فأخذته غفوة خفيفة، وكنت أنا أسعد الناس بها، لأنني ظللت أنظر إليه، دون أن أشعر بالحرج!!
حزنت والله العظيم من كل قلبي حزنا شديدا لسماع الخبر المؤلم.. فأولئك البشر كانوا نسيج وحدهم، ونجوم تدلت إلينا من عالم جميل، فجعلونا أسعد الناس بهم..
لم يكن إبراهومة رمانة فريق المريخ، وصانع ألعابه فحسب، وإنما كان أيضا صانع نجومه، فالذين يتذكرون أن ماجد هزم الهلال ثمان مرات متصلة، عليهم أن يتذكروا أيضا أن جميع الأهداف التي سجلها، كانت بتوقيع إبراهومة، فإليه يعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، في صناعة إسم الأسطورة ماجد محمد عثمان..
رحم الله الخليل رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ولا نملك إلا أن نقول نحن نحبك يا إبراهيم، فوداعا وإلى جنات الخلد يا أيها المبدع الإنسان، فنحن نعزي فيك أنفسنا، ونعزي أهلنا في مدني السني، وجميع عشاق فنك وإبداعك على إمتداد الوطن الكبير، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى