مقالات

سامي الجاك يكتب : افضل ما حدث في عهد البشير .. هو انفصال الجنوب

ما استرعى انتباهي في حوارات السلام هو الثقة التامة في اعضاء الوساطة الجنوبية في نقل المفاوضات لجوبا كأنها وطن ثاني و لدى البعض ربما تعتبر وطن اول، لا احد هناك يهتم بالبرتوكولات، التفاوض كان اعتباطيا، الونسة لا حدود لها، لا احد هناك يعتبر جوبا بلدا غريبا و بقيادة رجل عسكري قوي و متدين كجل حكام المنطقة من اريتريا لتشاد و مصر، بينما الشعب السوداني يخوض معارك ضخمة من سلام و علاقات خارجية معقدة و تحول ديمقراطي، و مع ذلك فرجل الوساطة هو مستشار امني لا اعلم هل هي من محاسن الصدف ام مساؤوها لانه حتى مصر تتعامل مع السودان بملف استخباراتي، في الحقيقة لا اعلم لماذا ملف السودان ملف امني بامتياز في مجمل العلاقات الخارجية أهو شعب السودان قاهر الديكتاتوريين ام جغرافيته ام ثرواته او ربما ارتهان ساستنا للاملاءات الخارجية.

كان انفصال الجنوب من اكبر الصدمات على مجتمعنا بينما الفرحة في الجنوب لاتحدها حدود وقتها كان الشمال يئن من الألم كأن كل فرد اقتطع جزء من لحمه او طرف من اطرافه،  وازدادت علينا الالام بسؤء ادارة البشير لوضع ما بعد الانفصال، لكن هل الانفصال في حد زاته كان قرار خاطئ؟

بعد مرور السنين اتضح لي جليا انها من اصعب و انجح القرارات  في نفس الوقت وهنا لا اشيد بالبشير وحكمته لان ما فعله بناءا على غريزة البقاء وهو العسكري الذي اتى على ظهر دبابة مسيرا بالهتافات و الشعارات البراقة واوصلته فطنة داهية سياسي ما لحكم السودان لمدة ٣٠ عاما و لكنه اتخذ قراره دون معظم سياسيينا الذين هم  بلاقدرة حقيقية لاتخاذ اي قرار سياسي بل يعيشون تحت جلباب العسكر و يسيرونهم من وراء ستار و هم يتوارون عن الانظار، نعم القرار السياسي لم يكن بدراسات جادة لتخفيف اثاره على الاقتصاد او المجتمع لكنه من الصواب بمكان، الدولة السودانية فقدت الكثير من حرب دامت عشرات السنين استنزفتها كليا، عانى الشعب الجنوبي من ويلات الحرب بحيث لا يوجد بيت او عائلة لم يكن لها شهيد غير المجاعات المتلاحقة، ولا ننسى المعاناة الاجتماعية لذلك تحرر شعب كامل من الطغيان ليس بالامر الهين السهل فقد دفع الثمن غاليا و لكن تبقى الشعوب لكي ترى النور و تتوارث الاجيال التاريخ.

لم يكن البشير مختارا بين الانفصال او الوحدة فامر الانفصال اتخذ من ايام نيفاشا و لكن كان لديه الخيار على ان يجعله انفصالا مريرا او سلسا، خيار المرارة هو اعادة الحرب من جديد و تجييش الجيوش و ربما تكون ضالته الاخيرة في ذاك الوقت لتوحيد جبهته الداخلية و اختلاق عدو خارجي لاستعادة بعض من امجاد الجهاد الاسلامي، في الحقيقة تلك التصورات لم تجدي بعد فوات الفوات و التحولات السياسية في السودان ما عاد بالامكان الدخول في حروب و جبهات اخرى فدارفور مشتعلة، و الضغط الخارجي يزداد يوما بعد يوم و احكام الجنائية تطوق عليه الخناق، لذلك ما عاد الرجل سوى بوق يتوعد و يهدد و ربما ذاك ما جعل الاقتصاد يتهاوى حتى نهاية السقوط النهائي.

وفي اعتقادي كل هذه المفاوضات لا طائل منها واتت مع عدم وجود العدو الفعلي لمفاوضي جوبا، بالنسبة لي اول مرة ارى مفاوضات تتم بين طرفين هم اصلا طرف واحد، لذلك ربما هذه المفاوضات لم تجد الاهتمام الشعبي او المحلي، حتى اتفاق الحلو رغم انه جاء بعد تعنت الرجل ولا اعلم على ماذا التعنت و ماذا يريد بالدولة العلمانية، الم تقم الثورة بديسمبر على قواعد الدولة الثيوقراطية، و هل فعلا هناك اعتراض او مقاومة على طرحه هذا، ما يريده الشعب ان تتم الدعوات من خلال القوانيين و احترام مبادئ المساواة و الحرية و الاعتراف بالتعددية و هذه هي العلمانية التي جعلها الحلو عبارة عن ايدلوجية جديدة او شبه كذلك.

مع وصول وفود السلام من جوبا مقر اقامة مفاوضي الحركات ظهر بعضهم يدعون لمساومات كبيرة لدغدغة مشاعر الشعب السوداني بوعود كالوحدة بين بلدين مزقتهما الحروب و لم تجف حتى دماء من سقط من الطرفين، و مازالت ذكرى الحرائق و القتل و الاغتصاب متمثلة في عيون الضحايا، لم يعلم هؤلاء ما عادت الوحدة حلما وهي توهمات اختلقها قبل ذلك عبدالناصر و عاشها ردحا من الزمن حتى انتكس و انتكست معه كل المنطقة، و ما فائدة الوحدة و ما زالت الشعوب مقهورة، التوحد و الوحدة لا تتم الا لشعوب حرة منظمة تعي دورها و يعي قادتها دورهم.

اخيرا لا ارى ان من خيارات شعبي السودان و جنوب السودان هو حلم الوحدة فقرار الانفصال لم يكن بامر يسير ففيه زهقت انفس عزيزة على الطرفين و كان يمكن ان يكون اقل حدة ان كان هناك سياسيين شجعان و ناقشوا الانفصال من سنين بداية الدولة السودانية و لكن ما زلنا نحكم بالحالمين مدغدغي مشاعر الشعب بكلماتهم الرنانة فما علينا بعد كل ذلك سوى ان ندعو للتعاون التجاري و الاقتصادي لما يعود لمصلحة الشعبيين. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى