القصة ومافيها

النور عادل يكتب : إلى ماهر ابوالجوخ..هذا زمانك يا مهازل فامرحي

من السهل جدا أن يستعرض المسؤول عضلاته (المعلومات) أمام الرأي العام، فيعرض منها الأقوى، ويدع الأضعف. والمسؤول في بلدنا، للأسف، كالطاووس في المحميات الطبيعية. يفرد جناحيه زهوا وغرورا بألوانه الزاهية، لكن لا احد ينظر خلف هذا الصخب الملون، لمرض الطاووس.

ما هو مرض الطاووس؟

درج المسؤولين من فجر استقلال وطننا المنكوب بهم، على أن يعرضوا للرأي العام ما يخدمهم، مما يشاؤون، ويتركون ما لا يشاؤون -حتى مدعو الديمقراطية منهم- ولنكن دقيقين، ما لايخدمهم. وظننا وبعض الظن إثم، أن ذاك عهد قد مضى، لكن السلطة مفسدة، في كل زمان ومكان، ولأي كائن، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، حتى لو تدثر بلبوس الثورات، وأهدافها، ودندن حول مكاسبها الموعودة.
المفوض المالي والإداري لشركة الأندلس وقناة وإذاعة طيبة الفضائية، الأستاذ (ماهر ابو الجوخ) خرج علينا بمقال مزهو، كاد أن يسقط ريشه علينا، يحجب بسحر بيانه ما نعلمه عن أنفسنا كموظفين سابقين في هذه المؤسسات التي عين عليها كشرطي قضائي آمر ناهي. كل او اغلب معلوماته هذه كانت لدينا محل دردشة  داخل تلك المؤسسات عينها، وككل مواطني بلدي، ارغمتنا الحاجة للعمل بصمت في ظل قبضة أمنية يعرفها ماهر الان بحكم المنصب، لكن ما يدهشنا انه نسي او تناسى انه ابن هذه المهنة، ويعلم كم هي محنة أن تكون اعلامي في هذا القطر، فكل شيء يأتي معدا مسبقا، كل البرامج في خط رؤية موضوعة مسبقا، وهو نفسه عمل في ظل هذه الظروف ولم يتهم في وطنيته او دينه.
رغم علمه، وفهمه لحساسية، تلك المرحلة المؤذية من عمر الإعلام العام والخاص، الرجل لم يفتح الله عليه بقدر من الشفافية ليفصل في شأن حقوق موظفي تلك المؤسسات الذين فصلوا بجرة قلم، كان يباهي ببساطة، بما عثر عليه من كنوز الدكتور عبدالحي ويده اليمنى ماهر سالم، وهذا حق قد استرد، أو ليس بعد، وهو جزء من الرواية، بعض الصورة، فأين الباقي حتى تكتمل القصة، وتتضح الصورة. أين الحق الذي لا مراء فيه ولا جدال؟ هل حقوق وشقا أولئك الموظفين أيضا صودرت؟! ولما (الجرجرة) والتعنت في ردها لهم، في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية؟! من يتحمل هذه الخسارة المؤلمة عنهم؟ تخيل أن لك حقوق نهاية خدمة وتأمين وساعات عمل إضافية، كانت قبل بضعة أشهر من العام الحالي، تساوي قيمة (تكتك) او مشروع دكان صغير، يقي الموظف هدر ماء وجهه، الان هذه المستحقات، على أفضل الأحوال لن تشتري له حتى هيكل سيارة خردة، من حقبة الحرب العالمية الثانية!

برأيي ابو الجوخ لم يشذ عن سلفه من مسؤولي الإنقاذ، الذين كانوا يستعرضون انجازاتهم، ويصمتون عن خروقاتهم الجانبية، كانوا يفعلون مثله تماما الان، يشردون موظفي هيئة او مؤسسة، بينما يكبرون ويهللون امام الشعب بالإنجازات، وكأن الهدم اصعب من البناء، وكأن فصل الناس وتفريقهم بجوابات الايقاف عن العمل عمل مضني يحتاج لجهد بدلا من انطباع. هذا بلد عامة من يتسنمون مناصبه يعانون فقرا في الخيال، يعانون من عقم في الإبداع، لا فرق بين اسلاميهم أو علمانيهم، هذه لعنة النخبة، التي قتلت الاستاذ منصور خالد كمدا قبل موته بسنوات طوال.
ما لا يعرفه ابوالجوخ، وهذا منا إضافة حقيقية لمعلوماته، بدلا من تلك الدردشة التي ما عادت ترفع حاجب دهشة أحد ، وبات المثل الشائع (نسمع ضجيجا ولا نرى طحين) معبرا عنها. ما لايعرفه الرجل أن اغلب موظفي قناة وإذاعة طيبة، كانوا ثوارا، داخل مباني القناة، وخارجها، كنا نتلاعب في غرفة البرامج، والكنترول حتى نحقق أعلى قدر من المهنية، نتصل بكل اطراف الشأن العام، ونفتح كاميراتنا ونعلق مايكرفوناتنا، لكل القوى السياسية بلا تمييز، وننتظر في الصباح التالي امتعاضات المدراء التنفيذيين، كان بعضنا يخرج لاستطلاعات الشارع، ويواجه سماجة الأمن والاستخبارات، ويصور الصفوف الممتدة جهرة وخلسة، ثم يعود ويمررها بألف حيلة من مقص الرقيب، فكان برنامج (حديث الناس) ينقل آراء الشارع بكل نزاهة، في الوقت الذي فيه كانت قنوات أخرى تخاف على مصدر رزقها وتضن بمهنيتها، راضية قبض المرتب بدون ضمير او تعب، وبعضهم حتى كما كنا نرصد انا وزميلي عامر السيد وابوبكر الصديق، كيف كانوا يسرقون افكار ما ننتجه لدرجة المطابقة عدا الاستديو والمذيعين، فالاعلام شغف وابداع، وكان في طيبة كوادر من المبدعين والنوادر. وللامانة، فحتى برنامج (حديث الناس) كان فكرة وانتاج الاستاذ احمد المعتصم، وهو رجل بحسابات السلطة الان مصنف في خانة الفلول، لكن يشهد له كل من يعرفه، انه مهني محترف. بخلافكم انتم يا سيد ابوالجوخ، اداريون لا تتمتعون بالنزاهة الكافية، فتأخذون الموظف البسيط بجريرة من فوقه، وانتم تعلمون جيدا أن هذا خطأ، وشر ورماد تحته نار.
أجد نفسي اعاني لواعج الهم، وأنا اردد مع القائلين أن الثورات تأكل اول ما تأكل بنيها، لكننا لم نخرج ولم نقدم ما قدمنا في انتظار ان يبصم ابوالجوخ وخلفه وكيل الاعلام المغرض على اوراق وطنيتنا، اننا مواطنون في هذا الوطن، نعاني سابقا عسف الإنقاذ، واليوم خطل من يتعلمون الحلاقة على رؤوس الأيتام.

وهنا ابث الشكوى لله وحده، حامدا، أننا نرى بوضوح انكم والانقاذيين، اخوان لأب واحد، هو فشل الممارسة السياسية القديمة التي لا تراعي في سبيل اي نصر كان سقوط أي ضحايا كانوا، فلم يخب ظننا أنكم وهم مجرد طرة وكتابة، وجهان لعملة واحدة، فهم باسم الله ظلمونا، وانتم باسم الشعب تظلمون، ولان موظفي طيبة، طيبون، كيف لا وهم كانوا خداما لكلام الله وسنة نبيه، ثم رهن اوجاع هذا الشعب، ولا يجاملون في عملهم مدير او غفير ولا حتى عبدالحي يوسف، هل تظنون ان الشيخ لم يكن ليواجه من قبل موظفيه، لا يا سادة، لقد سمع النصيحة والنقد جهارا، وشتم، وقذع، ووصل الأمر لسوح القضاء في حوادث لم تخرج للاعلام، وكنا ولا زلنا نعيب عليه اصغاءه لماهر وضعف السماع لموظفيه، فليس لكم ان تزايدوا علينا لاحقا باي شكل انكم تعرفون حدود النقد. فقط موظفي طيبة ليس عندهم علاقات متشعبة واصلة، تصل لابوابكم، كبعض قنوات وصحف الوطني المحلول، التي سرعان ما عادت للعمل.
قل سبحان الله قبل ان تخرج!
ليس خلفهم (كاكي) أو مسؤول رفيع في الانتقالية حتى ينصفهم، أخذوا لافتاتهم ويمموا صوب وزارة العدل، فلم يقابلهم وزير العدل لانه مشغول بالطبع، نقدر ذلك، لكنه قابل ناشطات سيداو، لان الطيور على أشكالها تقع، والحكمة العتيقة تقول (وافق شن طبقه). فالله هو العدل، وليست تلك المبانى الخاوية من معناه.
إن موظفي طيبة الان يقعون بين صممكم وتصامم الشيخ، والأخير لم يكلف نفسه العناء فسافر لبلد الطيب، ومديره لم يكن على ايام العمل بجد، يكلف نفسه كتابة خطاب تحفيزي لموظف، بله أن يفكر الان في سداد مستحقات هؤلاء الموظفين السابقين، وحجته انتم وما فعلتم، وانتم حجتكم هو وما فعل، وحق الموظفين، بينكم قد تفرق، والمثل الشعبي يقول (جلدا ما جلدك جر فوقه الشوك).
هذا باختصار الجزء الناقص من الرواية، والذي لم تذكرونه، لانه يحرجكم، انتم ظلمة تستأسدون على الضعفاء، وعلى احسن حال متباطئين، والله، لو كان موظفو طيبة هؤلاء جنودا في الدعم السريع، أو جهاز الأمن، لكانوا الان ينعمون بحقهوقهم، والله لو كانوا حركات مسلحة، لكانوا الان في الفنادق، يأكلون أطايب الطعام، ويركبون الفارهات، وكنتم تحرسونهم ليل نهار، ابتغاء ابتساماتهم لتقولوا : أمطرونا بالسلام. لكنهم كالآتي:
مخرجين، منتجين ، مذيعين، مساعدي إنتاج، سائقين، محررو أخبار، مصممو جرافيك… باختصار لا يركبون الدفع الرباعي، ولا يضعون النجوم على كتوفهم، لكن لهم الله وكفى به ناصرا ومعين.

بالدارجي الفصيح:
مع التضخم الان، باتت مستحقاتنا، بطرفكم، لا تستحق عناء المطالبة، فقط اردنا هنا أن نكتب لله ثم للتاريخ، عن مرض الطاووس، هذا كل ما في الأمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى