سياسة محلية

الأمين حسين يكتب : الخرطوم ومثلث حمدي

معطيات الواقع الماثل أمامنا الآن تشهد بأن ما يعرف بمثلث حمدي (دنقلا، كوستي، سنار) احتلت قوات الدعم السريع مركز ثقله ممثلا في الخرطوم وبقية نقاط المثلث في مرمى النيران! الأمر الذي جعل الكيزان يتخذون من شرق السودان قاعدة لهم ومن بورتسودان وليس مدني عاصمة يسعون لتشكيل حكومة فيها كخطوة في الطريق الى دولة البحر والنهر المتخيلة (مجرد خيال) لأن الراجح ان “البحر الأحمر” الذي تمر عبره عشر التجارة العالمية لا يمكن أن يحتمل وجود دولة أصولية حبلى بالمليشيات المتطرفة وستكون مرتعا للإرهاب الاسلاموي، مثل هذه الدولة لو قامت فسوف تستدعي بقوة تدخلات عسكرية ضدها من دول الجوار الاقليمي وكما هرب الكيزان من مثلث حمدي سوف يهربون من البحر الاحمر عائدين أدراجهم ليس إلى المثلث بكامله بل الى جزء يسير منه وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
رابعا: أثناء هذه الحرب الدائرة لخمسة أشهر اتضح جليا أن الجيش غير قادر على حسمها عسكريا، وذلك لخلل بنيوي وهو الافتقار للعدد الكافي من المشاة، فيبدو أن الجيش كان يعتمد بشكل كبير على “الدعم السريع” في توفير الجنود المقاتلين على الارض، ولهذا السبب سقطت المواقع الاستراتيجية في الخرطوم الواحد تلو الاخر لعدم وجود قوات على الارض تعترضها وتعطل تقدمها وتحول دون وصولها الى أهداف بنصب الكمائن والاستنزاف، واعتمد الجيش بشكل كامل على سلاح الطيران الذي لا يمكن أن يحسم الحرب وحده بدليل أنه لم يوقف تقدم قوات الدعم السريع حتى إلى داخل سلاح المدرعات والذخيرة ولم يوقف الهجوم المستمر على سلاح المهندسين، بالإضافة الى المواقع التي سقطت في زمن قياسي كالاحتياطي المركزي والتصنيع الحربي ومصفاة البترول وأجزاء من القيادة العامة ومقار جهاز الأمن وغير ذلك من المواقع.
استنادا إلى الواقع الميداني والسياق السياسي تسقط تماما فرضية الحفاظ على الدولة الوطنية عبر الاصطفاف خلف الجيش في هذه الحرب حتى يتم دحر المليشيا عسكريا والقضاء عليها تماما، لأن الجيش كما تظهر الوقائع الشاخصة أمامنا غير قادر على ذلك من الناحية الفنية العسكرية، أما من الناحية السياسية فإن الخطاب المصاحب للحرب والمصنوع بواسطة الكيزان هو خطاب مدمر للوحدة الوطنية ومكرس للانقسام الإثني والجهوي، فعندما يتردد بمنتهى عدم المسؤولية ان “قوات الدعم السريع” كيان أجنبي وغازي للسودان ومنبت وطنيا ولا حاضنة اجتماعية له، وعلى هذا الاساس يجب طردها ليس من المواقع العسكرية التي تحتلها أو من السلطة السياسية، بل يجب استئصالها من الوطن لان كل منسوبيها غير سودانيين ولا يشبهون أهل السودان ، ولهذا الهدف يجب أن يحمل المدنيون السلاح لحماية الشماليين من “الغرابة”، مثل هذا الخطاب العنصري الأهوج سوف يدفع دفعا إلى اصطفافات قبلية وجهوية خلف “الدعم السريع” لأن الحقيقة الموضوعية المجردة هي أن هناك حاضنة اجتماعية سودانية له ممثلة في قبائل كبيرة في دارفور لن تقبل بنزع سودانيتها بهذه البساطة مثل هذا الخطاب حتما سيوفر للدعم السريع خط امداد مفتوح بالمقاتلين، الأمر الذي سيقود إلى حرب طويلة ستؤدي إلى تقسيم البلاد، وللأسف لن يكون تقسيما بين السودانيين بل سيمد كل طامع يده لينهش له نصيبا من هذا الوطن الذي تحول الى مشروع غنيمة مستباحة لأن نخبه السياسية فشلت في صياغة معادلة عقلانية للتعايش المشترك في اطار دولة وطنية ديمقراطية.
الحفاظ على الدولة السودانية بحدودها الحالية يقتضي الإسراع في إيقاف هذه الحرب على أساس اتفاق سياسي يشتري بموجبه السودانيون بقاء دولتهم المهددة وجوديا لو طال أمد هذه الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى