السودان اليوم

الواقع السياسي السوداني .. مقاربة تحليلية 2 – 3

تناول المقال الأول مفهوم ضرورة تأسيس وتكوين الكتلة الديمقراطية السودانية ” الكتلة التاريخية “، وأوضح المقال إلي أي مدى إمتلكت قوى الحرية والتغيير الفرصة التاريخية لتأسيس هذه الكتلة وماهي العوامل الذاتية والموضوعية التي أفرغت الفكرة من محتواها وأعادتها إلي الإستمرار في نفس حقل النموذج السياسي السوداني التقليدي. واقع الأمر هو أن معظم قوى التغيير السودانية تؤمن بنقطة صحيحة وهي ضرورة إستمرار التغيير في كافة نواحي الفعالية الإنسانية بالبلاد إلي حين إنجاز أهدافه في الوصول إلي بناء الدولة الوطنية الحديثة ووضع حد لكافة الإشكالات والأزمات الإقتصادية والمعيشية، وترسيخ سلام عادل ومستدام يوقف الحرب ويؤسس لتعايش سلمي بين مختلف الشعوب السودانية المتنوعة إثنياً وثقافياً على أساس من المواطنة الحقيقة، غير أن النوايا وحدها لا تبني وطناً، ولتحقيق هذه الأهداف لا بد لنا أن نبحث عن مكامن تفجير طاقات هذه الثورة وتحويلها نحو البناء والتعمير بدلاً عن إستهلاكها في مصارعة بعضنا البعض وإستنزاف جهدنا وإمكانياتنا في محاربة طواحين الهواء.

بناء الكتلة الديمقراطية السودانية تستدعيه كل الظروف المحيطة بالراهن وما يتربص بالسودان وشعبه من إحتقان سياسي، وإنهيار الإقتصاد الوطني، فضلاً عن التحديات العديدة وأخرها جائحة فايروس كورونا المستجد مما يهدد حياة المواطنات والمواطنين بشكل مباشر. كما يستدعيه أيضاً أن هناك فراغ غير معترف به وتم تجاوزه عن وعي أو دون وعي فيما يتعلق بعدم التوافق من الأساس حول عدد من القضايا المهمة شكلت فيما بعد سقوط النظام السابق حجر عثرة أمام وحدة قوى الحرية والتغيير وأمام فاعلية مؤسسات الحكم الإنتقالي ككل، فحينما لم يتم دراسة مشروع التغيير والتخطيط له في كافة جوانبه كان من الطبيعي أن لا يكون هناك إجماع كافي حول قضايا التغيير الماثلة ومصالح التغيير وهو شئ طبيعي جداً، حيث أن قضايا ومصالح التغيير وكيفية معالجتها تختلف زوايا النظر والمواقف فيها بين القوى السياسية والحركات المسلحة على سبيل المثال على حسب تحليل وطبيعة تكوين وموقف كل منها، كما أن من البديهي أن تختلف رؤى ومواقف التغيير والمصالح التي يمثلها لدى التجمعات المهنية ومنظمات المجتمع المدني عن تلك التي تعبر عن مواطنات ومواطني السودان في معسكرات اللجوء والنزوح، وغيرها من الأمثلة كثيرة. إذن المحصلة هي أننا نحتاج للتوافق حول مشروع متكامل للتغيير وبناء الدولة التي تمثل وتعبر عن مصالح الجميع وهو أيضاً أحد أهم الأسباب التي تفرض يشكل عاجل بناء وتأسيس الكتلة الديمقراطية السودانية.
إن المسؤولية الوطنية تحتم على جميع الفاعلين السياسيين سواء في القوى السياسية أو الحركات المسلحة والوطنيين ولجان الحراك المهني والمقاومة والمواطنين بالتفكير في مصلحة الوطن، وعقد هدنة مؤقتة لاستقرار الأوضاع وبناء هذه الكتلة لتمكين مؤسسات الحكم الانتقالي من العمل في أجواء مستقرة للتخطيط ووضع الأسس الإدارية والقانونية اللازمة لإعادة تأسيس مؤسسات الدولة والحد من آثار التدهور الإقتصادي والفشل المتوارث بالبلاد منذ الإستقلال وحتى اليوم، ومحاصرة الطامعين في تفكيك ثورة الشعب والعودة بنا لمربع النظام السابق إضافة للإجراءات الوقائية للحماية من إنتشار فايروس كورونا الذي تشير معظم التقارير العلمية إلي إستمراره طوبلاً ومعاودة الإنتشار بشكل موسمي إلي حين إكتشاف العلاج الناجع والفعال له.

لكل ما سبق ذكره يصبح واجب الساعة الآن ضرورة التوافق بين جميع الأطراف بمختلف توجهاتهم، وتقديم المصلحة العليا للوطن والمواطن والمسارعة في بناء الكتلة الديمقراطية السودانية وإنجاز متطلبات تحقيق الإستقرار السياسي، فالبلاد تمر بمرحلة دقيقة تهدد حياة وأمن الشعب، وتحتاج إلى حوار عميق وواسع غير إقصائي لبناء توافق غير مسبوق لا يتغير بتغير المصالح الايديولوجية ولا يهمش دور المؤسسات الرسمية أو يجيرها حزبياً، ولا يعيق المهام التنموية المطلوبة. ولا بد لنا من الاعتراف بأن السودان عاجز كدولة عن مواجهة هذه الأزمات دوناً عن توحيد جبهته الداخلية وتحقيق أكبر قدر ممكن من الإجماع والتوافق الوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى