في العمق

مصعب قسم الله يكتب : بهاءالدين قضية لن تموت

 

ما من سبب منطقي حتى الآن لجريمة اغتيال المرحوم بهاء الدين، في ظل صمت النيابة بعلة سير التحقيقات التي تسير في رحلة أقرب للابدية حين يكون الجاني جهة نظامية والمجني عليه مواطن.
عدة تكهنات تدور ولا تستقر على إتجاه، وكلها مجمعة على بشاعة الجريمة ونكارتها، وقد أججت الجريمة ذكرى اغتيال المعلم الشهيد أحمد الخير تقبله الله تعالى. وهذا لاببدو بريئا في هذا التوقيت الحساس من عمر الوطن.

من هذه التكهنات أن المرحوم قد نشر منشورا عن الدعم السريع ومعتقلاته واستخباراته، ولم اقف على حقيقة هذا الزعم إلى الان، ولكن بفرض صحته، فما المشكلة هنا؟ والمبرر للجريمة البشعة هذه؟ يعلم اي مواطن بسيط اليوم أن القوات النظامية في هذا البلد اكثر من ان تعد، ولكل واحدة معتقلاتها العلنية والسرية، وكلها تشترك في اللاقانونية، والسلوك العنيف، والزهو بالسلطة، والقدرة على التنكيل، وضعف المهنية العام، وتأخر الحس الوطني، وانتشار حس المصلحة، وشبكات البزنس بلافتة الأمن ظاهرة لا تخطئها عين بصير. وهذه تركة قديمة لم تتخفف منها السلطة الانتقالية بعد، ولا نعرف متى يتخلص منها الوطن النازف، فهي قد دشنت نفسها كسرطان غير حميد منذ فجر الاستقلال وتتالي الحقب ولا تزال. فهذا المبرر واهي بظني.

تكهن آخر سائد، أنه ربما وراء الجريمة دوافع شخصية، تمت تغطيتها بلافتة الدعم السريع، استنادا على الحنق الشعبي العام تجاهه، فلن يضير الجناة أن يضيفوا له حمل نفس شابة أخرى. وهذا الزعم ايضا يحمل ادانة قوية للدعم كمؤسسة عسكرية، فكيف لقيادته أن تسمح بأن تستغل من قبل الجناة، كيف تسمح قيادته باستخدام مقارها وسياراتها، بل ووحدتها الصحية حتى لمجرد قضية شخصية؟! غير معقول البتة.

أما التكهن الآخر وهو ملائم للمزاج الرسمي ضمنا، وهو نظرية الطرف الثالث، وأن هناك اياد تريد تلطيخ سمعة الدعم وشيطنته، وجره للمواجهة مع الشعب، ومن ثم طرده من العاصمة، وهو زعم تسنده الان الحملات المجهولة التي انطلقت من الاسافير بطرد الدعم من المدن. وهذا الزعم يبدو رغبوي سياسي اكثر منه مفسر لجريمة القتل هذه، فلو ارادت جهة احراج الدعم وشيطنته ومن ثم المطالبة بإخراجه من العاصمة، تمهيدا لاستبعاده من المعادلة السياسية الراهنة، فهذه الجهة أخطأت الحسابات، فالدعم لا تنقصه السمعة السيئة ولا البغض الشعبي بعد جريمة فض الاعتصام التي صرح حميدتي نفسه انهم تم توريطهم فيها، لن يغير دم واحد جديد، المعادلة بعد تلك الدماء العزيزة التي سفكت في ٣٠ يونيو، والتعويل على التذكير ايضا غير مجدي في ظل الالهاء المعيشي الحاد، والصخب السياسي المشتعل حول قسمة السلطة والثروة بعد اتفاق سلام المزعوم قبل أشهر بجوبا، خاصة في ظل حالة اصطفاف غير رسمي بين بعض المكونات العرقية خلف الدعم باعتباره ضد ابناء المركز، تلك الجدلية الركيكة. برغم وجاهة هذا التكهن الظاهرية الا ان قليل من العقل يفنده.
يبقى التكهن الأخير والاخطر، وهو الزعم بأنه محاولة من الطرف الثالث، المجهول اكس، باشعال فتيل ازمة بين القوات المسلحة و الدعم تؤدي لاصطفاف شعبي خلف الجيش خاصة وهو يقود معاركه الان بالحدود ضد اثيوبيا، وبما أن اسهم الجيش الان ترتفع مع اخبار تحرير الأراضي، والدعم هنا يقتل الشباب في معتقلات سرية، فهذا سبب كافي لأن يتململ الجيش ويطالب بإخراج الدعم وابعاده او اقله الإسراع في إعادة هيكلته ودمجه، وهو أيضا تكهن برغم قوته الحجاجية السياسية، الا أنه ايضا لا يشفي الغليل لماذا اغتيل بهاء؟ فكان الأولى بالجهة التي تريد اشعال فتيل مواجهة أن تغتال فرد قوات مسلحة بدلا عن فرد لجان مقاومة يشهد الكثيرون أنه لم يكن خطرا أو كثير الظهور والتصريحات كغيره الان ممن يوزعون الاتهامات من داخل الحراسات وخارجها.
كل التكهنات أعلاه وغيرها الكثير، لا تبرر ولا تفسر جريمة اغتيال بهاء، مهما بدت وجيهة ومقنعة، لكن برأيي أيا كانت المبررات والخطط، وأيا كانت نوايا مرتكبي هذه الجريمة، فهي قد انعكست ضد نواياهم، فدماء بهاء تقبله الله باتت فداءا ومهرا لحقن دماء آخرين خلفه، وباتت كل آلامه وعذاباته التي قاساها وحده، حتى مات صبرا، كالأسد الشامخ، وسط الضباع الجبانة في الظلام، باتت نورا يكشف دياجير كل المعتقلات، وكل الممارسات الحيوانية، وسيعلم كل جبان وفاسد، مهما علت اكتافه النجوم، او سبقت اسمه الصفات، أن الدم السوداني لا يقبل القسمة على الشركاء، ولا يخضع لمعادلات السلطة، ولن يكون سلما لصعود جهة وافول أخرى، سيكون حتما ولابد ولو بعد حين لعنة على الجميع، بما فيه على الوطن، فالوطن الذي لا يراعي ولا يغضب، ولا يثور، لحرمة الدم وحرمة الخلق، يستحق اللعنة.

رحم الله الشهيد بهاءالدين نوري والشهيد أحمد الخير، وألزم آلهم وذويهم الصبر وحسن العزاء، وربط الله على قلوب الأمهات والآباء وانزل عليهم برد اليقين ورزقهم الحمد والشكر على أقداره.
ورسالة خاصة في بريد أمهات واباء الشهداء:
لا تفتروا من ترديد: حسبنا الله ونعم الوكيل. وتذكروا كل حين، أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. أسأل الله العظيم الكبير، حينها أن تضحكوا والشهداء، ويبكي الظالمون دما وندما ابديا في الجحيم.

رحم الله شهداء الثورة، من علمنا منهم ومن لم نعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى