مقالات

النور عادل يكتب : محمد عبدالباري والاجنحة الذهبية

أمسية ثقافية نادرة تلك التي احتضنتها قاعة الشارقة بتاريخ الخميس 20 اكتوبر 202‪2
برغم حالة العسكرة التي تخيم على سماء الخرطوم منذ انقلاب 25 اكتوبر وانقلاب مزاجها النيلي الدافيء الصافي إلى حالة من الترقب والتوجس وانتشار ظلال الشك الكثيف الخانق، الا أن الخرطوم البارحة قد تزينت وتأنقت بأمسية ثقافية نادرة مع ابن السودان الفذ الشاعر الجهبذ محمد عبدالباري في تدشينه لديوانه الخامس الذي صدر بعنوان (أغنية لعبور النهر مرتين).
عمت اجواء من البهجة المشوبة بالحزن وشاعرنا يلقي قصائده على الحضور بجزالة وروح بدت منطفئة ملتاعة، إذ شعرت أن محمد عبدالباري بدا حزينا أكثر من قبل. ألقى على مسامعنا بعضا من أبيات شعرية من قصيدة عنونها بالشهداء، وهي تحفة شعرية نفسية مليئة بالتقدير والامتنان والحب لشهداء ثورة ديسمبر الذين ارتقوا وتركوا الكلمات والأمنيات معلقة في سماء البلاد بغد افضل، رحلوا وعانقوا الشمس والسحاب إلى نهايتهم الاخيرة، لكنهم لازالوا يحدثوننا من وراء غيابهم بأن لا نلحق بهم وأن لا نتبعهم بالأناشيد، بدا عبدالباري متأثرا جدا ويكاد يذرف دمعه وهو يلقي أبيات الشهداء، عم الحزن القاعة المكتظة وعلا التصفيق واصوات الإشادة كلما ذكرهم، ما حول الأمسية لاحتفالية ثورية شعرية بالشهداء الذين رحلوا عنا بسبب سلطة الوقت الجبانة المتشبثة بالواقع كطفل عنيد يريد أن يلعب ويحطم أي شيء يلعب به، أليس هذا ما يحدث اليوم في عموم السودان من أم درمان إلى لقاوة والنيل الأزرق؟
إن محمد عبدالباري حافظ كتاب الله، المحب للغة العربية المعتز بضادها وفصاحتها إنه رمز حي لأصالة الثقافة العربية في البلاد وهو تجسيد حي على قدمين بأن لافرق بين عربي وعجمي الا بما كسبت يديه من جودة وانتاج، فعبدالباري هو النهر وهو الجسر بين العروبة والافريقية وهو شيخ الشباب المبدع المنتج الذي لا تغره أضواء الشهرة ولا بىيق المدح ورنين الذكر، فهذا الإصدار الخامس له وكل إصدار يأتي أروع من سابقه كما أكد على ذلك النقاد والدارسين.
فهنيئا للسودان شاعرا مجيدا آخر في سلسلة العظماء الأكابر (التجاني يوسف بشير، معاوية النور، الفيتوري، محمد عبدالباري) وليس القصد التتابع والترقيم لعبدالباري، فشاعرنا رقم لوحده، أيقونة، نسق فريد، وجبل شمم بين جبال الشعراء العرب عامة وخاصة، فإن كان شوقي أمير الشعراء فالان قد توج الشعر محمد عبدالباري السوداني ملكهم وامامهم.
انها لظاهرة صحية أن يكون في هذه الأيام العجاف في تلك القاعة كل هذه الحشود التي ملئت حتى الممرات لسماع الشعر الرصين الرفيع في وقت الكل فيه يلهث وراء لقمة العيش والكل يلهث ليأمن في بيته قبل حلول المغيب وانطلاق يد المجرمين تحت سمع ونظر السلطة المحنطة الواجفة خلف الحاويات. إن الخرطوم تؤكد على حضورها الثقافي وصدق انتماءها لثقافتها العربية الاسلامية مجددا دون مزايدات الحركيين الباهتة على مسألة الهوية، فالثقافة أصيلة تتفاعل لا تفرض ولا تزيف.
شكرا جزيلا لدار الأجنحة ولصاحبها العبقري الابنوسي المحترم متوكل زروق، شكرا لكل أسرة الأجنحة وهي تهدي الخرطوم شيء من حب وسرور واجواءا من فرح وسط عزاءها المستمر وقتلتها المطلوقين.
شكرا محمد عبدالباري وصدقني هذه أول مرة احضر فيها حفلا لك وقد دعاني صديق عزيز لكنني وبعد نهاية الحفل وجدتني وصديقي قد صادقناك وأحببناك وصرت قاسما بيننا بروحك الحلوة وأدبك الجم، تسلم البطن الجابتك، سلمت السيدة الفاضلة أم كلثوم القاسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى